للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف تنكر أن تبلى معاجرها١ ... والبدر في كل يوم طالع فيها

فلولا أن الشاعر جعل صاحبه قمرا حقيقيا, لما كان هناك وجه للتعجب من هذا الإنكار؛ لأن الكتان -كما قلنا- إنما يبليه ملابسته للقمر الحقيقي.

ورد هذا الدليل بأن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به لا يقتضي أن يكون لفظ المشبه به مستعملا فيما وضع له؛ لأن هذا الادعاء مبني على جعل أفراد الأسد بطريق التأويل قسمين: "متعارفا"، وهو الذي له غاية الجرأة في الهيكل المعروف، و"غير متعارف", وهو الذي له تلك الجرأة لا في ذلك الهيكل، ولفظ "الأسد" إنما هو موضوع للقسم المتعارف، فاستعماله في غير المتعارف استعمال للفظ في غير ما وضع له، والقرينة مانعة من إرادة المعنى المتعارف ليتعين غير المتعارف.

وأما التعجب، أو النهي عنه، وما إليهما مما ورد في الأمثلة السابقة, فمبني على تنزيل الاستعارة منزلة الحقيقة بتناسي التشبيه الذي بنيت عليه قضاء لحق المبالغة, حتى إن كل ما يترتب على المشبه به يترتب على المشبه.

ويعلم مما تقدم أن الخلاف بين الرأيين لفظي؛ ذلك أن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به مسلم عند القائل بأن الاستعارة مجاز لغوي، وكون اللفظ المستعار مستعملا في غير معناه الأصلي مسلم عند القائل بأنها مجاز عقلي، فلم يبق إلا النزاع في التسمية، فمن نظر إلى حقيقة الأمر سماها مجازا لغويا، ومن نظر إلى الادعاء والمبالغة سماها مجازا عقليا.


١ جمع معجر على زنة منبر, وهو ثوب تعتجر به المرأة أي: تلتفّ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>