للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي كل من العدل والإيمان١ باعتبار تعلق العيافة بهما, ووجه كون ذلك قرينة هو أن الذي يدعو إلى العدل والإيمان آخذ بالشريعة، وهي إنما تحمل من يخالف على الطاعة بحد السيف، لا بالإحراق.

وقد تكون القرينة معاني ملتئمة, ارتبط بعضها ببعض بحيث تتكون القرينة من مجموعها, كما في قول البحتري:

وصاعقة من نصله تنكفي بها ... على أرؤس الأقران خمس سحائب٢

شبه أنامل الممدوح بالسحائب في عموم النفع، ثم استعار لفظ "السحائب" لأنامل يده، وجعل القرينة على الاستعارة مجموع أشياء؛ فذكر أن هناك صاعقة، وأنها ساقطة من حد سيفه، وأنها منقلبة على أرؤس الأقرن تفتك بهم، وأنها خمس بقدر أصابع اليد، فاتضح من مجموع ذلك كله غرضه من "السحاب"، وأن المراد بها أنامل الممدوح؛ لما بينها وبين السحائب من جامع النفع، وعموم العطاء.

قد يقال: إن واحدا من هذه الأمور التي ذكرها كافٍ في الدلالة على الاستعارة, فالقرينة إذًا متعددة، وليست معاني ملتئمة متضامّة كما قيل.

ويجاب: بأن الاستعارة لا يكتمل وضوحها إلا بهذه الأمور مجتمعة، وهذا لا ينافي كفاية بعضها في أصل الدلالة على المراد.

أو يجاب: بأن المراد بالتئام المعاني ارتباطها، لا على وجه العطف المؤذن بالاستقلال, كما تراه في البيت المذكور.


١ إنما جعل كل واحد قرينة ولم يجعل أحدهما قرينة والآخر تجريدا وهو ذكر ما يلائم المشبه؛ لأن مجموع الأمرين بمنزلة الشرط, فهما بمثابة الشيء الواحد لكن لو انفرد كل منهما لصح أن يكون قرينة.
٢ "الصاعقة" في الأصل: نار سماوية تهلك من تصيبه, و"النصل": حد السيف, و"تنكفي": تنقلب و"الأقران": جمع قرن بكسر القاف, وهو المماثل والنظير, والمعنى: ورب نار من حد سيفه تهوي بها على رءوس الأنداد أنامله الخمس التي هي في الجود, وعموم العطايا كالسحائب, فهو يصفه بالشجاعة والكرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>