للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العامة، كإطلاق الأسد على الرجل الجريء, فإن الجامع -وهو الجرأة- أمر واضح في متناول عامة الناس؛ لاشتهار الأسد بها، وسميت "مبتذلة" لابتذالها بكونها في طوق كل أحد.

والخاصية وهي الغريبة: هي التي لا يدرك الجامع فيها إلا من ارتفع عن طبقة العامة, كما في قول يزيد بن مسلمة بن عبد الملك، يصف فرسا له بأنه مؤدب إذا نزل عنه وألقى عنانه في قربوس سرجه, لا يبرح مكانه حتى يعود إليه:

عودته فيما أزور حبائبي ... إهماله وكذاك كل مخاطر

وإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشكيم إلى انصراف الزائر١

شبه جمع القربوس مضموما إلى جانبي فم الفرس بالعنان٢, ممتدا من القربوس إلى جانبي الفم, شبه ذلك بالاحتباء، وهو جمع


١ "الاحتباء": أن يشد الرجل ركبتيه إلى بطنه بنحو ثوب يمتد من جانبيه إلى ظهره، و"القربوس" بفتح القاف والراء: مقدم السرج وهو المراد, وقيل: هو السرج نفسه، ثم هو يحتمل أن يكون فاعل "احتبى" بتنزيله منزلة الرجل المحتبي, فكان القربوس ضم الفرس ورأسه إليه بالعنان كما يضم المحتبي ركبتيه إليه بنحو بثوب, ويحتمل أن يكون قربوسه مفعول "احتبى" مضمنا معنى "جمع" ويكون الفاعل ضميرا عائدا على الفرس. والمعنى: جمع هذا الفرس قربوسه إليه بعنانه كما يضم المحتبي ركبتيه إليه بثوب ونحوه, والتشبيه على الاحتمال الثاني أتم وأدخل في تحقيق التشابه؛ لأن القربوس في الهيئة أعلى من فم الفرس وهذه الحالة هي التي تنطبق على حالة الاحتباء؛ إذ إن ركبتي المحتبي تكونان في الهيئة أعلى من ظهره، والعنان: اللجام, والشكيم والشكيمة: هي الحديدة المعترضة في فم الفرس، ومعنى علكها: لاكها ومضغها, وقد أراد بالزائر نفسه. وإنما عبر عن نفسه بالزائر؛ لدلالته على كمال تأدب فرسه، وأنه لا يبرح مكانه إن طال مكثه عند حبيبه كما يدل عليه البيت قبله.
٢ متعلق بجمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>