للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثالها في الفعل باعتبار صيغته قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} فمن المعلوم أن أمر الله لم يأت بعد، وإنما سيأتي بدليل قوله: {فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} فكان سياق الكلام أن يقول: يأتي أمر الله بصيغة المضارع, لكنه عبر بصيغة الماضي تجوزا. وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبه الإتيان في المستقبل بالإتيان في الماضي في تحقق الوقوع، ثم استعير لفظ "الإتيان في الماضي" للإتيان في المستقبل، فصار الإتيان في الماضي بمعنى الإتيان في المستقبل، ثم اشتق من الإتيان بهذا المعنى {أَتَى} بمعنى يأتي على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية. ومثله قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} فمما لا شك فيه أن النداء المذكور يكون في الدار الأخرى، فكان سياق الكلام أن يقال: وينادي أصحاب الجنة, لكنه عبر بصيغة الماضي تجوزا. وتقرير الاستعارة فيه على نحو ما سبق في {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} ، فيقال: شبه النداء في المستقبل بالنداء في الماضي في تحقق الوقوع، ثم استعير لفظ النداء في المستقبل، فصار النداء في الماضي بمعنى النداء في المستقبل، ثم اشتق من النداء بهذا المعنى "نادى" بمعنى ينادي, على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية, وأمثال هذا كثير. قال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} , {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا} الآية، {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} على تقدير المضارع في جميعها؛ تشبيها للمستقبل المتحقق بالماضي.

وكما تستعمل صيغة الماضي في المستقبل -كما مثلنا- تستعمل صيغة المضارع في الماضي, كما في قوله تعالى حكاية لقول إبراهيم -عليه السلام- لابنه إسماعيل: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} فالرؤية المذكورة وقعت لا محالة، فكان سياق الكلام أن يقول: إني رأيت في المنام, لكنه عبر بصيغة المضارع تجوزا. وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبهت الرؤية الماضية بالرؤية الحاضرة في استحضار الصورة العجيبة هي صورة ذبح إبراهيم -عليه السلام- لابنه، ثم استعير لفظ الرؤية في الحاضر للرؤية الماضية، فصارت الرؤية الحاضرة بمعنى الرؤية

<<  <  ج: ص:  >  >>