ما سبق بيانه, وقوله:"فأغرق الوادي" تفريع أتي به تجريدا للاستعارة.
وسمي هذا القسم "استعارة مجردة" لتجردها عما يقوي فيها دعوى الاتحاد؛ ذلك أن ذكر ملائم المستعار له الذي هو المشبه يقربها من المعنى الحقيقي، ويضعف فيها دعوى اتحاد الطرفين. وقد اجتمع الترشيح والتجريد في قول "زهير بن أبي سلمى":
لدى أسد شاكي السلاح مقذف ... له لبد أظفاره لم تقلم١
استعار الأسد للرجل الجريء، ثم أتى بجملة ملائمات، بعضها للمستعار له، وبعضها للمستعار منه, وبعضها مشترك بينهما. فقوله:"شاكي السلاح" أي: تامه تجريد؛ لأنه من ملائمات المستعار له، وقوله:"له لبد" ترشيح؛ لأنه من ملائمات المستعار منه، أما قوله:"مقذف" فإن أريد به المقذوف باللحم كناية عن ضخامته لم يكن تجريدا، ولا ترشيحا لملاءمته لكل منهما، وإن أريد به الذي يقذف بنفسه في المعارك، سواء كان بآلة حرب أو بغيرها فكذلك, فإن القذف بآلة حرب كان تجريدا؛ لأنه يناسب الجريء من الرجال إذ هو الذي يحمل السلاح. وأما قوله:"أظفاره لم تقلم" فإن أريد به أن ذلك الأسد ليس من الجنس الذي تقلم أظفاره كان ترشيحا؛ لأن الأسد الحقيقي ليس من شأنه ذلك، وإن أريد جعله كناية عن نفي الضعف لم يكن ترشيحا ولا تجريدا؛ لأنه قدر مشترك بين الطرفين, وقرينة الاستعارة قوله:"لدى أسد" على تقدير: أنا لدى أسد, فإن كانت القرينة حالية اعتبر هذا تجريدا لملاءمته للمستعار له. ومما اجتمع فيه الأمران قول الشاعر:
رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر ... ظواهر جلدي وهو للقلب جارح
١ "شاكي" أصله شائك, دخله القلب المكاني, واللبد -على زنة عنب- جمع لبدة, وهي ما تلبد من شعر الأسد على منكبيه، ولم تقلم أي: لم تقطع؛ مبالغة في القلم وهو القطع.