للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"يقود جيشا"، ويصح العكس، فيكون الأول تجريدا، والثاني هو القرينة. ومثال الصفة المعنوية قول كثير عزة:

غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال١

يقول: إنه كثير العطاء، واسع البذل, إذا ابتسم لطالبي معروفه تمكنت رقاب أمواله من أيديهم، وتعذر انفكاكها كالرهن الحبيس في يد المرتهن، وقد عجز الراهن عن استرداده، والشاهد فيه: استعارة الرداء للعطاء بعد تشبيه العطاء به في أن كلا وقاية حفظ وصيانة، فالمال يصون العرض، والرداء يصون السوءة، ثم وصف الرداء "بالغمر" الملائم للمستعار له٢ وهو العطاء؛ تجريدا للاستعارة, وقرينتها تتمة الكلام من تبسم الممدوح، وحبس رقاب أمواله في أيدي العفاة٣. ومثال التفريع قولهم: "رأيت غضنفرا في حومة الوغى فلجأت إلى ظل رمحه"، استعير الغضنفر للرجل المقدام, بقرينة قوله: في حومة الوغى، ثم فرع عليه بما يلائم المستعار له من اللجوء إلى ظل رمحه تجريدا للاستعارة. ومثالها من التبعية قولك: طغى الماء فأغرق الوادي؛ شبه كثرة الماء بالطغيان على


١ "الغمر" في الأصل: الماء الكثير, واستعمل هنا بمعنى كثرة العطاء, وفي قوله: "تبسم ضاحكا" وصف للممدوح بالبشر والطلاقة مع الوقار, وأنه لا يقهقه كما يفعل المتبذلون، وقوله: "غلقت" من غلق الرهن في يد المرتهن, إذا لم يقدر الراهن على انفكاكه لعجزه عن أداء الدين، والضحكة -بفتح الضاد وسكون الحاء- المرة من الضحك، ويريد برقاب المال: أصوله.
٢ هذا إذا كان من غمر الماء إذا كثر, أما إذا كان من قولهم: ثوب غامر أي: واسع فضفاض فهو ترشيح, على أن حقيقة الغمر الكثير من الماء، فإطلاقه على الكثير من العطاء مجاز، فالملائم في الترشيح أو التجريد ما كان مناسبا سواء كان حقيقة أو مجازا.
٣ إنما جعل تتمة الكلام قرينة الاستعارة، مع جواز أن يكون الوصف بالغمر قرينتها، بل هو أولى لتقدمه؛ لأن المقصود بالاستعارة لا يتضح إلا مع هذه الإضمامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>