للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وضار، ثم استعار في نفسه لفظ السبع للمنية بعد تناسي التشبيه, وادعاء أن المشبه من جنس المشبه به، ثم قدر حذفه دالا عليه بذكر بعض خواصه، وهو "الأظفار"، ثم أثبته للمشبه الذي هو المنية على سبيل الاستعارة المكنية. وكما في قول الشاعر الآخر:

إذا هزه في عظم قرن تهللت ... نواجذ أفواه المنايا الضواحك١

شبه المنايا عند هزه السيف في عظم قرنه بإنسان يضحك لتوفر دواعي السرور، ثم استعار في نفسه لفظ المشبه به وهو "الإنسان الضاحك" للمنايا بعد التناسي والادعاء، ثم حذفه ودل عليه بذكر بعض لوازمه، وهو "تهلل النواجذ" وأثبته للمنايا على سبيل الاستعارة المكنية. وكقول الشاعر:

ولئن نطقت بشكر برك مفصحا ... فلسان حالي بالشكاية أنطلق

يقول: إن نطقت بلساني مفصحا عن شكر يدك, فلسان حالي أنطق بالشكاية منك؛ لأن ضرك أكثر من نفعك, شبه الحال بإنسان متكلم في الدلالة على المقصود، ثم استعير الإنسان للحال، ثم حذف ودل عليه بلازمه وهو "اللسان"، وأثبت الحال على سبيل الاستعارة المكنية.

وكقول زهير بن أبي سلمى:

صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعري أفراس الصبا ورواحله٢


١ القرن -بكسر القاف- الند والنظير، وتهلل: تلألأ وأشرق، والنواجذ: هي الأضراس جمع ناجذ, والنجذ: العضّ.
٢ "صحا" من الصحو بمعنى: زوال السكر والإفاقة منه، والمراد به السلو وهو زوال العشق من القلب، ففيه استعارة تبعية؛ شبه السلو من العشق بالصحو بالمعنى المذكور بجامع انتفاء ما يحول دون الرشد, ثم استعير اسم المشبه به واشتق منه صحا بمعنى سلا. و"أقصر باطله" يقال: أقصر عن الشيء, إذا أقلع عنه وتركه, مع القدرة عليه فإذا عجز عنه قيل: قصر عنه بلا ألف، وباطل القلب: ميله إلى الهوى. وإنما صح إسناد الإقصار إلى الباطل، وهو ليس بذي قدرة واختيار؛ إما لأن في العبارة قلبا، وأن الأصل: أقصر القلب عن باطله، فقلب وأسند الفعل إلى الباطل مجازا عقليا, وإما لأن المراد بالإقصار معناه المجازي وهو مطلق الامتناع، لا الامتناع مع القدرة الذي هو المعنى الحقيقي، فيكون معنى قوله: أقصر باطل القلب: امتنع عنه وانتفى وزال، والرواحل جمع راحلة, وهي البعير القوى على الأسفار، ومعنى تعرية الأفراس والرواحل: تجريدها من سروجها ورحالها للكف عن استخدمها في هذا السبيل, كناية عن انصرافه عما كان فيه من لهو وعبث.

<<  <  ج: ص:  >  >>