للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول الشاعر: إنه ثاب إلى رشده، وسلا قلبه عن سلمى، وأقلع عن تعاطي الهوى معها، وجنب نفسه ما كان فيه من غواية وجهل، وسلك مناهج الحق والرشاد.

والشاهد فيه الشطر الثاني من البيت, حيث شبه الصبا -بمعنى الميل إلى الصبوة والجهل- بإحدى جهات المسير إلى غاية كتحصيل علم، أو تجارة, أو نحوهما بجامع ما يتطلبه كل من تجشم للمشاق، واجتياز للمسالك الوعرة، من غير مبالاة بما يستهدف من خطر، ولا اكتراث لما يعرض من شدة، ثم استعير لفظ المشبه به للمشبه، ثم قدر حذفه مدلولا عليه بلازمه، وهو الأفراس والرواحل، ثم أثبت هذا اللازم للمشبه على سبيل الاستعارة المكنية١.

ففي هذه الأمثلة الأربعة حذف لفظ المشبه به، وكني عنه بذكر لازمه، ثم أثبت هذا اللازم للمشبه المذكور، وكل ما كان من هذا القبيل ففيه استعارة مكنية.

ففي المثال الأول حذف لفظ المشبه به، وهو "السبع"، وبقي


١ ويحتمل أن الشاعر أراد بالأفراس والرواحل ما تركز في النفوس من شهوات جامحة، مع ما أودع فيها من قوى تعينها على استيفاء الملذات كالصحة والفراغ وما إليهما من جهد وتدبير، أو أراد بها الأسباب التي تتهيأ عادة إبان الصبا كالمال والأعوان، فتكون الاستعارة حينئذ تحقيقية في الأفراس والرواحل لتحقق معناها عقلا إن أريد بها شهوات النفوس وما إليها، أو حسا إن أريد بها الأسباب, ووجه الشبه بين الأفراس والرواحل، وبين ما ذكر في الوجهين أن كلا آلة لتحصيل ما لا يخلو عن مشقة وجهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>