للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكل كما في إطلاق العين على الرقيب في المثال الثاني, فإن المعنى المقصود من الرقيب هو الإطلاق والتجسس، ولا شك أن للعين مزيد اختصاص في تحقق هذا المعنى, إذ بانعدامها لا يكمل معنى الرقابة، فإطلاق "الأذن" مثلا على الرقيب مجازا مرسلا لا يجوز؛ إذ ليس لها مزيد اختصاص بالمعنى الكامل المراد من الرقيب.

الثالث: أن يكون الجزء أشرف بقية الأجزاء, كما في إطلاق القافية على القصيدة في المثال الثالث؛ إذ لا ريب أن القافية هي الأساس الذي تنبني عليه القصيدة, فهي إذًا أشرف التفاعيل، وأولاها بالاعتبار، فلا يجوز إطلاق أي جزء آخر من أجزاء البيت على القصيدة مجازا مرسلا؛ إذ ليس له من الاعتبار ما للقافية.

٧- الحالية: أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور حالا في المعنى المراد، فيطلق حينئذ اسم الحال، ويراد المحل كما في قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي: ففي جنة الله١, فقوله: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} مجاز مرسل علاقته الحالية؛ إذ إن {رَحْمَةِ اللَّهِ} بمعنى نعمه وآلائه حالة في جنته، والقرينة قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فإن الخلود الذي هو الإقامة الدائمة إنما يكون في مكان, ويصح أن تكون قرينة المجاز معنوية، وهي استحالة ظرفية الرحمة بمعناها الحقيقي. ونحو قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي: خذوا لباسكم فـ {زِينَتَكُمْ} مجاز مرسل علاقته الحالية؛ لحلول الزينة في اللباس والقرينة قوله: {خُذُوا} . ومثله قولك: نزلت "بالقوم" أي: بدارهم, ففي القوم مجاز مرسل علاقته الحالية, أطلق الحال وهو "القوم"، وأريد المحل الذي هو الدار, والقرينة قوله: "نزلت".


١ الرحمة في الأصل: رقة في القلب تقتضي الإشفاق والعطف, والمراد بها في جانب الله لازمها وهو الإنعام, وليس هو حالا في الجنة؛ لأنه أمر اعتباري, إذ هو تعلق القدرة بالمنعم به إيجادا وإعطاء, وإنما الحال فيها متعلق هذا الإنعام وهو الأمور المنعم بها, ففيه بناء مجاز على مجاز.

<<  <  ج: ص:  >  >>