للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن القرآن ليس مظنة للريب، ولا موضعا للشك، ولا ينبغي أن يرتاب فيه، وهذا الحكم مما ينكره الكثير من الكفار وكان مقتضى الظاهر أن يؤكد، فيقال: إنه لا ريب فيه، لكن نزل إنكارهم منزلة عدمه لما بين أيديهم من الدليل الواضح١ الدال على أنه لا ينبغي أن يكون موضع ريب.

وإنما كان معنى الآية ما ذكرنا من كون القرآن ليس بمظنة للشك؛ لأننا لو أبقيناها على ظاهرها من نفي الريب على الاستغراق بمعنى: لم يقع فيه ريب من أحد لم يكن مطابقا للواقع لكثرة المرتابين فيه، فلا تكون الآية من قبيل جعل المنكر كغير المنكر؛ لأن الحكم الذي يجعل فيه المنكر كغيره يجب أن يكون مطابقا للواقع، عليه من الدلائل ما لو تأملها المنكر لأذعن، وأقلع عن إنكاره, وهذا الحكم -وهو نفي الريب على سبيل الاستغراق- ليس كذلك لثبوت الريب في الواقع٢- إلى غير ذلك من المواضع التي يخرج فيها الكلام على غير مقتضى الظاهر لتنزيل الشيء منزلة غيره.

تنبيهان:

الأول: يعلم مما تقدم أن الحال وظاهر الحال -مع اتفاقهما في أن كلا منهما يدعو المتكلم إلى اعتبار أمر زائد في الكلام- يفترقان من حيث إن ظاهر الحال أخص مطلقا من الحال؛ لأن ظاهر الحال هو الوصف الثابت للمخاطب في الواقع كخلو الذهن أو التردد، أو الإنكار, بخلاف الحال فهو أعم من أن يكون وصفا ثابتا للمخاطب في الواقع، أو كان أمرا مفروضا فيه


١ هو كونه معجزا تحدي العرب في أبين صفاتهم فعجزوا عن مباراته.
٢ الأولى أن تكون الآية المذكورة من قبيل التنظير لتنزيل وجود الشيء منزلة عدمه, بناء على وجود ما يزيله، فينزل ريب المرتابين منزلة عدمه اعتمادا على ما يزيله من الأدلة والأمارات كما ينزل الإنكار منزلة عدمه, أما جعل الآية من قبيل المثال لما نحن بصدده فيحتاج إلى تأويل الآية بما ذكرنا من أن المعنى: ليس القرآن بمظنة للريب، وما لا يحتاج إلى تأويل أولى مما يحتاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>