للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرضا, فالحال في نحو قولك لمنكر حقية الإسلام: "إن الإسلام لحق" هو الإنكار؛ لأنه أمر دعا المتكلم إلى أن يعتبر في كلامه خصوصية هي "التأكيد" وهو ظاهر حال أيضا؛ لأنه أمر ثابت للمخاطب في الواقع فقد اتحد الحال وظاهر الحال في مثل هذا المثال, أما في نحو قولك للمسلم التارك للزكاة: "إن الزكاة لواجبة" فإن الحال فيه "الإنكار" لأنه أمر دعا المتكلم إلى أن يعتبر التأكيد في خطابه، وليس ظاهر حال له إذ ليس وصفا ثابتا له في الواقع، وإنما الثابت له "عدم الإنكار", غير أن المتكلم لم يعتبر هذا الوصف، وفرض فيه أمرا ليس وصفا له في الواقع هو "الإنكار" وخاطبه على هذا الاعتبار, فظهر أن ظاهر الحال أخص مطلقا من الحال.

الثاني: أن ما تقدم من الاعتبارات السابقة من ترك التأكيد لخالي الذهن، واستحسانه للمتردد، ووجوبه للمنكر على حسب إنكاره كما يجري في الإسناد المثبت -كما سبق- يجري مثله في الإسناد المنفي, فيقال لخالي الذهن في النفي: "ما محمد شاعرا" بلا تأكيد، ويسمى ابتدائيا, ويقال للمتردد: "ما محمد بشاعر" بالتأكيد المستحسن، ويسمى طلبيا، ويقال للمنكر: "والله ما محمد بشاعر" بالتأكيد الواجب، ويسمى إانكاريا. كذلك قد يخرج الكلام في النفي على غير مقتضى الظاهر كما في الإثبات، فينزل غير المنكر مثلا منزلة المنكر إذا ظهرت عليه أمارات الإنكار، فيؤكد له القول كما يؤكد للمنكر حقيقة، فيقال: "والله ما خلا هذا البلد من بني فلان" لمن بدت عليه أمارة إنكار أن هذا البلد لم يخل من هؤلاء الأعداء لذهابه إليهم على هيئة الآمن المطمئن, كما يجعل المنكر كغير المنكر إذا كان الدليل على غير ما يعتقد قائما بين يديه، لو تأمل فيه ارتدع، وحينئذ لا يؤكد له القول كما هو الشأن مع خالي الذهن، فيقال: "ما دين المجوسية حقا" لمنكر أن دين المجوسية ليس حقا, وعلى هذا يكون القياس.

<<  <  ج: ص:  >  >>