للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه قصدا إلى التحرز عن العبث في ذكره لقيام القرينة الدالة, وإنما كان العبث ظاهريا؛ لأن الحقيقة أن لا عبث في ذكره، وإن قامت عليه قرائن؛ لأن المسند إليه أعظم ركني الإسناد إذ هو المحكوم عليه، فلا يكتفى فيه بالقرينة، بل ينبغي مع ذلك أن ينص عليه اهتماما بأمره.

٢- تخييل العدول إلى أقوى الدليلين١: اللفظ والعقل أي: أن يقصد المتكلم أن يخيل للسامع أنه عدل إلى أقوى الدليلين، وهو العقل.

بيان ذلك: أن الدال على المسند إليه عند حذفه هو "العقل"، وأن الدال عليه عند ذكره هو "اللفظ" غير أن العقل أقوى دلالة من اللفظ؛ لأن العقل ليس بحاجة دائما إلى اللفظ في الدلالة، بل كثيرا ما يستقل بها كما في المعقولات الصرفة، وكما في دلالة الأثر على المؤثر, بخلاف اللفظ فإنه دائما مفتقر إلى العقل في الدلالة، إذ لا يمكن أن يفهم منه شيء بدون معونة العقل، فالعقل آلة الإدراك، ولكن الحقيقة أن العقل أيضا غير مستقل في الدلالة عند الحذف، وإنما يدل بمعونة اللفظ المقدر المدلول عليه بالقرائن، فكلاهما ردء للآخر، وحينئذ لم يتحقق العدول إلى أقوى الدليلين، من أجل هذا جعلوا النكتة في الحذف قصد العدول المتخيل لا المتحقق, مثال ذلك قولك في المثال السابق: "حضر" تريد الأمير فقد حذف المسند إليه؛ لأن المتكلم يريد أن يدخل في روع السامع، وفي خياله أنه عدل عن أضعف الدليلين إلى أقواهما وهو "العقل" كما بين.

٣- ضيق المقام عن إطالة الكلام بسبب ما قد يعتري المتكلم من توجع أو ضجر ناشئين من أحداث الزمان، أو تباريح الهوى، بحيث لا يستطيع التكلم بأكثر مما يفيد الغرض كما في قول الشاعر:

قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل

سهر دائم وحزن طويل

لم يقل: "أنا عليل" لضيق صدره عن الإطالة بسبب ما ينوء به


١ أي: على المسند إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>