للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أعباء الهموم، أو ما يعانيه من آلام الهوى، ومنه قوله تعالى١: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} لم تقل "أنا عجوز" لما تحسه من ضيق الصدر عن الإطالة في القول بسبب ما انتابها من عقم، وما لحقها من كبر.

٤- الحذر من فوات الفرصة كأن يقول رجل لصائد: "غزال" يريد: "هذا غزال" فيحذف المسند إليه وهو "هذا" مخافة أن تفوت الفرصة بإطالة الكلام، فيفلت الصيد من يد الصائد, ومثله قولك: "قطار" لواقف في طريقه غافلا عنه أي هذا قطار فتحذف المسند إليه انتهازا للفرصة حتى لا يدهمه القطار.

٥- اختبار تنبه السامع عند قيام القرينة على المسند إليه أيتنبه إليه لهذه القرينة القائمة، أم لا يتنبه إلا بالتصريح؟ مثال ذلك أن يحضر إليك رجلان تربطك بأحدهما صداقة، فتقول لآخر يعلم بهذه الصلة: "غادر" تريد أن تقول: الصديق غادر، فتحذف المسند إليه اختبارا للسامع أيتنبه إلى أن المسند إليه المحذوف هو "الصديق" بقرينة ذكر "الغدر" إذ لا يناسب إلا الصديق أم لا يتنبه؟ ومثله قولك: "مستفاد نوره من الشمس" تريد "القمر" فتحذفه اختبارا لذكاء السامع.

٦- اختبار مقدار تنبه السامع ومبلغ ذكائه عند قيام قرينة خفية على المسند إليه أيتنبه بالقرائن الخفية أم لا؟ مثال ذلك أن يحضرك شخصان تجمعك بهما صداقة غير أن أحدهما أقدم من الآخر فيها، فتقول لآخر يعلم بهذه الصحبة: "جدير بالإحسان" تريد أقدمهما صحبة، وهو "محمد" مثل، فتحذف المسند إليه اختبارا لمبلغ ذكاء المخاطب أيتنبه إلى هذا المحذوف لهذه القرينة الخفية، وهي أن أهل الإحسان ذو الصداقة القديمة, دون حادثها أم لا يتنبه٢؟


١ حكاية عن قول السيدة سارة عندما دخل الملائكة المكرمون على زوجها إبراهيم عليه السلام, وبشروه بأنه سيولد له ولد كثير العلم هو إسحاق عليه السلام, فلما بلغها ذلك صاحت ولطمت وجهها وقالت يا ويلتا: أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا؟ إن هذا لشيء عجيب.
٢ حكي عن بعض خلفاء بني العباس أنه ركب سفينة مع أحد ندمائه فسأله الخليفة: أي طعام أشهى عندك؟ فقال: مخ البيض المسلوق فاتفق عودهما هنالك في المقابل فقال له الخليفة: مع أي شيء؟ فأجاب النديم مع الملح فتعجب الخليفة من قوة استحضاره وكمال تنبهه ويقظته.

<<  <  ج: ص:  >  >>