للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} فمرجع الضمير لفظ الجلالة، وقد تقدم على الضمير لفظا تحقيقا إذ قد نطق به أولا, وكقول أبي تمام:

بيمن أبي إسحاق طالت يد العلا ... وقامت قناة الدين واشتد كاهله

هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والبحر ساحله

والمتقدم لفظا في التقدير هو ما نطق به بعد الضمير كقولهم: "نعم فارسا علي" على رأي من يجعل المخصوص مبتدأ مؤخرا، والجملة قبله خبرا مقدما، فمرجع الضمير حينئذ هو المخصوص، وقد تأخر عن الضمير في اللفظ، ولكنه في التقدير متقدم عليه؛ لأنه مبتدأ والمبتدأ مرتبته التقدم على الخبر، فكأن قد لفظ به أولا, وأما تمثيلهم بنحو قولهم: "في داره صديقك" فليس مما نحن فيه، وهو أن يكون الضمير مسندا إليه.

٢- أن يتقدم المرجع معنى، وذلك بأن يدل عليه لفظ سابق من جنسه، أو ترشد إليه قرينة حال, فمثال ما دل عليه لفظ قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} فمرجع الضمير هو "العدل" المدلول عليه بلفظ "اعدلوا"، فهو لم يتقدم لفظا، وإنما تقدم معناه في الفعل, ومثله قوله تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} فمرجع الضمير هو معنى الرجوع المفهوم من قوله "ارجعوا"، ومثال ما دلت عليه قرينة حال قوله تعال: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} ، فمرجع الضمير المستتر في "ترك" هو "الميت"، ولم يدل عليه لفظ سابق، بل دلت عليه قرينة حال هي أن الكلام مسوق لبيان الإرث, ومثله قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} فالمرجع وهو "الشمس" لم يدل عليه لفظ سابق كما في "عدلوا"، ولكن ذكر العشى والتواري بالحجاب، وسياق الكلام كل ذلك قرائن تدل على أن المراد هو "الشمس".

٣- أن يتقدم المرجع حكما كضميري رب والشأن نحو "ربه فتى"،

<<  <  ج: ص:  >  >>