للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَرَاوَدَتْهُ ١ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} فالغرض المسوق له الكلام نزاهة يوسف، وطهارة ذيله، وبعده عن مظان الريبة, والتعبير بالصلة أدل٢ على هذا الغرض مما لو قال: وراودته امرأة العزيز أو زليخاء؛ لأنه إذا كان في بيتها، وتمكن٣ من نيل ما طلبت منه، ومع ذلك عف وامتنع كان ذلك غاية في نزاهته وعفته عليه السلام.

وقيل: إن المراد تقرير المسند الذي هو "المراودة": بمعنى أنها وقعت منها لا محالة؛ لأن وجوده في بيتها، مع ما لها من سعة السلطان، وقوة النفوذ، ومع فرط الاختلاط والألفة, أدل على وقوع المراودة، وصدور الاحتيال منها.

وقيل: إن المراد تقرير المسند إليه الذي هو "امرأة العزيز، أو زليخاء" وذلك لإمكان وقوع الإبهام، أو الاشتراك فيهما.

بيان ذلك: أنه لو قال: وراودته "زليخاء" مثلا لم يعلم يقينا أنها المرأة التي هو في بيتها لاحتمال أن يكون هناك امرأة أخرى مسماة بهذا الاسم غير التي هو في بيتها, ولو قيل: وراودته "امرأة العزيز" لوقع مثل هذا الاحتمال أيضا, وإن كان بعيدا, بخلاف التعبير بالموصول فإنه لا احتمال فيه مطلقا؛ لأنه معلوم من الخارج أن التي هو في بيتها إنما هي


١ مصدر المراودة وهي في الأصل بمعنى المجيء والذهاب من راد برود جاء وذهب ثم أريد منها المخادعة على سبيل الاستعارة التبعية بأن شبهت المخادعة, وهي الاحتيال لأخذ ما بيد الغير بالمراودة الموضوعة للمجيء والذهاب بجامع التردد في كل, ثم استعيرت المراودة للمخادعة, ثم اشتق من المراودة بمعنى المخادعة راودت بمعنى خادعت، ثم هي بعد ذلك ليست على إطلاقها بل على خصوص الجماع, غير أن تفسير المراودة بما سبق يقتضي وقوع الطلب من الطرفين؛ لأنها مفاعلة من الجانبين ويوسف عليه السلام نبي معصوم لا يقع منه طلب من هذا النوع, ولعل الجواب على هذا أن المراودة ليست على بابها بل المراد بها أصل الفعل، أو هي على بابها ولك الطلب اختلفت جهته فطلبها للوقاع, وطلبه للدفاع وبهذا فسر قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} ، أي: همت به فعلا وهم بها تركا.
٢ أي: إن الغرض يدل عليه كل من الموصول وامرأة العزيز وزليخاء إلا أن الموصول أدل عليه لاقتضائه أنه تمكن منها ولم يفعل بخلاف غيره.
٣ أي: ولو بحسب الصورة وإلا فهو نبي معصوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>