للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه:

قد يكون في الموصول إيماء إلى نوع الخبر على نحو ما تقدم، وهو -مع ذلك- بمثابة الدليل على تحقيق الخبر وتثبيته في ذهن السامع، وذلك إنما يكون حيث تصلح الصلة دليلا على وجود الخبر كما في قول الشاعر يشكو ويتوجع من جفاء حبيبه وهجره:

إن التي ضربت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودها غول١

يقول: إن التي نزعت إلى الكوفة، واتخذت بها موطن إقامة دائمة تصرمت حبال ودها، وانحلت عرا العلاقة بيني وبينها, والشاهد فيه تعبيره بالموصول وصلته إذ قال: "إن التي ضربت بيتا مهاجرة بكوفة الجند" فإن فيه إشارة إلى أن الخبر الآتي بعد من نوع زوال المحبة، وانقطاع المودة حيث قال: غالت ودها غول؛ لأن الإنسان لا يهجر وطنه إلى غيره -في العادة- إلا إذا كان كارها لأهله, راغبا عنهم, ومع ما في الصلة من هذه الإشارة هي كالدليل على ثبوت هذا الجفاء، وانصراف قلب محبوبه عنه، وإلا فكيف استساغ لنفسه فراق محبه، واتخذ ذلك البلد النائي موطن إقامة؟ وهذا المعنى مفقود في مثل قول الفرزدق: إن الذي سمك السماء بنى لنا إلخ" فهو -وإن كان فيه إشارة إلى أن الخبر من نوع البناء- لا دليل فيه على ثبوت هذا البناء وتحققه إذ لا يلزم عقلا، ولا عرفا من سمك السماء بناء البيت المذكور؛ لأن رفع السماء ليس علة لبناء البيت, بخلاف ما نحن فيه فإنه يلزم عادة من المهاجرة إلى الكوفة، وضرب البيت بها للإقامة فيه زوال المحبة وانصرام حبل المودة, ومثل البيت المذكور قولهم:


١ ضرب البيت في الأصل أن تشد حباله بالأوتاد, وهو كناية عن الإقامة من باب الانتقال من الملزوم إلى اللازم "ومهاجرة" حال من فاعل "ضربت" أفادت أن الكوفة ليست بلدها الأصلي, والكوفة إحدى المصرين بالعراق وإضافتها إلى الجند لإقامة جند كسرى بها فالإضافة لأدنى ملابسة "وغالت" أهلكت والغول بمعنى المهلك أي: اغتالت ودها الغوائل, وقد أنث الفعل؛ لأن الغول مؤنث سماعا ولفظ البيت خبر والمعنى على إنشاء التحسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>