للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى هذا المصير البغيض١ ولفظ "الشيطان" واقع في جملة الصلة، لا في جملة الخبر, فالتعريض إذًا بالتهوين من شأن غير الخبر, ومثله قولك: "إن من لا يحسن معرفة فن الأدب قد صنف فيه" ففي الموصول مع صلته إيماء إلى أن الخبر من نوع ما يتعلق بالأدب، وفي ذلك الإيماء تعريض بأن مصنفه من النوع المبتذل؛ لأنه عمل من لا يحسن تعاطي الأدب.

غير أنه قيل: إن منشأ تعظيم شأن الخبر أو إهانته إنما هو الموصول مع صلته, وإذًا فلا مدخل للإيماء إلى نوع الخبر في التعريض بتعظيم الخبر أو إهانته بدليل وجود التعريض بتعظيم الخبر أو إهانته بدون ذلك الإيماء في قولنا: "بنى لنا بيتا الذي سمك السماء"، وقولنا "أنشأ قصيدة من لا يحسن قرض الشعر" بتقديم المسند فيهما، فإن التركيبين بلا شك مفيدان للتعريض بتعظيم شأن الخبر في الأول, وإهانته في الثاني في حين أن لا إشارة فيهما لنوع الخبر؛ لأن الإشارة إنما تكون حيث يجعل الموصول مقدما, وإذ ثبت أن ليس للإيماء دخل في التعريض بالتعظيم كما وضح لك من المثالين المذكورين. فكيف يتوسل به ويجعل ذريعة إليه؟

وأجيب بأن التعريض بالتعظيم أو الإهانة المستفاد من المثالين المذكورين إنما أفاده مجموع الكلام، ومثل هذا لا يحتاج لإيماء إلى نوع الخبر، وكلامنا في التعظيم أو التحقير المستفادين من الوصول وصلته فقط، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى التوسل إليهما بالإيماء المذكور، فإن تعظيم شعيب عليه السلام في الآية السابقة إنما استفيد من الصلة لما فيها من الإيماء إلى نوع من الخبر بدليل أنه لو بني على الصلة شيء غير المومئ إليه، بأن رتب عليها غير الخسران، فقيل مثلا: الذين كذبوا شعيبا أبناء قبيلة كذا لم يستفد منه تعظيمه, على أن استفادة التعظيم أو الإهانة من الصلة بواسطة الإيماء كما في بيت الفرزدق، أو آية شعيب لا تنافي استفادتهما من مجموع الكلام كما في المثالين المذكورين.


١ قد يقال إن إهانته تفهم من العلم بقبح اتباعه بلا حاجة إلى إيماء, ويجاب بأن حصول الإهانة مع الإيماء أتم منه بدونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>