للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف ساغ إذًا دخول أداة الاستغراق على المفرد؟ وإليك جوابين: أحدهما بالمنع، والآخر بالتسليم.

حاصل الأول: أننا نمنع أن هناك تنافيا بين الوحدة والتعدد ذلك أن الوحدة في المفرد معناها عدم اعتبار شيء آخر معه، وأن التعدد في المفرد الداخلة عليه أداة الاستغراق معناه: كل فرد فرد على حدة أي: من غير اعتبار ضم شيء آخر إليه، ولذلك امتنع وصفه بنعت الجمع عند الجمهور١، فيكون كل فرد -على هذا الاعتبار- متصفا بالوحدة إذ لم يجتمع معه شيء آخر, فإذا قلت مثلا: "لا طالب في الفصل" فقد سلبت الكينونة في الفصل عن كل طالب طالب على حدة، بحيث لا يخرج فرد من الأفراد عن هذا الحكم، وهذا هو معنى التعدد، وكون هذا الحكم واقعا على كل فرد على حدة، من غير اعتبار اجتماعه بفرد آخر هو معنى الوحدة، فلا تنافي حينئذ بين الوحدة والتعدد على هذا الاعتبار, وإنما يحصل التنافي لو أن المفرد الداخلة عليه أداة الاستغراق معناه: الأفراد مجتمعة لا كل فرد على حدة.

وحاصل الثاني: سلما أن هناك تنافيا بين الوحدة والتعدد, غير أن المفرد حينما دخلت عليه أداة الاستغراق كان مجردا عن اعتبار الدلالة على معنى الوحدة، وصار محتملا لها وللتعدد؛ لأنه قصد به الجنس، وبدخول أداة الاستغراق عليه تعين للتعدد، وإنما لم يطرد٢ وصفه بنعت الجمع، فيقال مثلا: "إن المسلم القائمين الليل لهم أجر عظيم" لأجل المحافظة على التشاكل اللفظي ا. هـ.


١ حكاه الأخفش عن بعضهم في قوله: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض؛ نظرا لأن أل للجنس ومدخولها يصدق بالجمع لتحقيق الجنس فيه.
٢ هو جواب عما يقال. حيث جرد المفرد المذكور عن معنى الوحدة وصحبته أداة الاستغراق كان معناه متعددا, ومقتضى ذلك جواز وصفه بنعت الجمع مع أنه ممنوع، والجواب ما ذكرنا, وإنما لم يمتنع بتاتا وصفه بنعت الجمع لوقوع الوصف به مراعاة لمعناه في قوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} لهذا قلنا لم يطرد وصفه بنعت الجمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>