يسأل عنك" تقول ذلك إذا لم تعرف اسمه ولا شيئا يتعلق به فالقصد فيه حينئذ إلى فرد ما من أفراد مفهوم اللفظ وهو مطلق رجل, ومثله قولك١: "لقيني رجلان، وتبعني رجال"، فإن القصد في الأول إلى فرد غير معين من أفراد مفهوم لفظ "المثنى" وهو مطلق اثنين, والقصد في الثاني إلى فرد غير معين من أفراد مفهوم لفظ "الجمع" وهو مطلق جماعة.
٢- أن يكون القصد بالحكم إلى نوع خاص من أنواع الجنس المنكر كما في قوله تعالى:{وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} فقد نكر المسند إليه؛ لأن القصد فيه إلى نوع خاص من أنواع الأغشية غير ما يتعارفه الناس ذلك هو غطاء التعامي عن الحق أي: الإعراض عن آيات الله, وليس المراد فردا واحدا من أفراد الغشاوة بأن يكون المعنى: وعلى أبصارهم غشاوة واحدة لا غشاوتان مثلا؛ لأن الفرد الواحد لا يقوم بالأبصار المتعددة, ومنه قول الشاعر:
لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
أي: لكل داء نوع خاص من أنواع الأدوية.
ويرى السكاكي أن التنكير في الآية للتعظيم بمعنى: وعلى أبصارهم غشاوة عظيمة ذلك؛ لأنها تحجب أبصارهم حجبا تاما، وتحول دون إدراكها الأدلة إلى معرفة الله تعالى, قالوا: وهذا الرأي أولى بالرعاية؛ لأن المقصود بيان أنهم بعيدون عن الإدراك أشد البعد، والتعظيم أدل على ذلك، وأوفى بتأديته, غير أن هذا المعنى لا يتنافى مع قصد النوعية؛ لأن الغشاوة العظيمة التي هي غطاء التعامي عن آيات الله نوع خاص من مطلق غشاوة.
٣- قصد إفادة تعظيم المسند إليه أو تحقيره، وأنه بلغ في رفعة الشأن حدا فوق متناول الإدراك، أو انحط إلى درجة لا يعتد بها، ولا يلتفت إليها, فمثال التعظيم قوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أي: حياة عظيمة إذ إن في القصاص منعا لهم عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد,