للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولله مني جانب لا أضيعه ... وللهو مني والخلاعة جانب

فقد نكر "جانب" في الشطرين وأريد بالتنكير في الأول التعظيم، وفي الثاني التحقير.

٤- قصد إفادة التكثير أو التقليل, فمثال التكثير قولهم: "إن له لإبلا وإن له لغنما" أتى بالمسند إليه في الجملتين نكرة لقصد إفادة أن لديه عددا كبيرا من الإبل والغنم، وإنها من الكثرة بحيث لا يمكن الإحاطة بها والوقوف على مقدارها١, ومثاله في التقليل قولهم: "كلمات تتضمن حكما خير من سفر ينضح هراء" فالمسند إليه "كلمات" وقد نكر لقصد إفادة أنه قليل, وعليه قوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} أي: شيء قليل من رضوان الله خير مما ذكر في صدر هذه الآية٢ من الجنة ونعيمها, غير أن وصف الرضوان بالقلة مجازا تنزيلا للرضا منزلة المعدود باعتبار تعدد ما يتعلق من مظاهره كعدم الفضيحة يوم العرض، والأمن من العذاب، والخلود في دار السلام، وغير ذلك وإلا فإن الرضى معنى من المعاني، لا يقبل القلة والكثرة، والتفاوت فيه إنما هو بحسب الضعف والقوة ليس غير٣.

ولا يخطر بالبال أن التعظيم والتكثير شيء واحد، وأن التحقير والتقليل كذلك فبين هذه المعاني من الفرق ما لا يخفى, ذلك أن التعظيم يراعى فيه الحال والشأن كعلو المرتبة، وسمو القدر، وبعد الدرجة أما


١ استفيد التكثير من أن المقام للمدح وإنما أفاد التنكير التكثير مع أن الأصل في النكرة الإفراد وهو يتنافى مع التكثير؛ لأن التنكير يشعر بعدم الإحاطة بالمنكر, وهذا يدل على أنه كثير بالغ الكثرة.
٢ هو قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} .
٣ وإنما كان الرضوان وإن قل أعظم من كل ما في الجنة من نعيم؛ لأن المراد بالرضوان إعلامهم به ولا شك أن مجرد إعلامهم به أكبر من كل نعيم يأتي بلا إعلام؛ لأن لذة النفس بشرف كونها مرضية عند ملك الملوك تفوق كل لذة, وقد تعلل أكبرية الرضوان بأن ما سواه من صنوف النعيم إنما هو من ثمراته ونتائجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>