للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: إن الذي جمع هذه الصفات الفاضلة هو المتوقد الذهن الذي لا تكذب فراسته، ولا يخطئ ظنه، فإذا ظن بك أمرا أصاب كبد الحقيقة، وكأنه رأى بعينه، وسمع بأذنه, والشاهد قوله في البيت الثاني: "الذي يظن بك الظن إلخ" فهو وصف كاشف عن حقيقة الألمعي، وموضح لمعناه أيما وضوح, غير أن الموصوف هنا ليس مسندا إليه إذ هو خبر "إن" في البيت قبله، أو منصوب صفة لاسم "إن"، أو بتقدير أعني, والخبر حينئذ هو قوله بعد:

أودى فلا تنفع الإشاحة من ... أمر لمرء يحاول البدعا

وأول هذه المرثية ذلك البيت المشهور وهو قوله:

أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تحذرين قد وقعا

٢- تخصيصه١ أي: تقليل الاشتراك الواقع فيه إذا كان نكرة، أو رفع الاحتمال الواقع فيه إن كان معرفة, مثال الأول قولك: "رجل منجم في منزلنا" فقد وصف المسند إليه بالتنجيم لقصد تخصيصه أي: تقليل الاشتراك فيه.

بيان ذلك: أن "رجل" في المثال المذكور موضوع للذكر البالغ العاقل من بني آدم، وقد اشترك في هذا المعنى الشاعر والمنجم والكاتب وغيرهما من سائر الناس، فإذا قيل: "رجل في منزلنا" لم يعلم من أي فئة هو؟ أمن فئة الشعراء، أم الكتاب، أم المنجمين؟ فإذا قيل: "رجل منجم" علم أنه من طائفة المنجمين، فقد قلل هذا الوصف الاشتراك، وجعل المشتركين معه في معناه الوضعي محصورين في دائرة التنجيم خاصة, ومثال الثاني قولك: "محمد الكاتب سيزورنا اليوم"، فقد وصف المسند إليه بالكتابة لقصد تخصيصه أي: رفع الاحتمال فيه.


١ الفرق بين الوصف المخصص والوصف الكاشف السابق أن الغرض من المخصص تخصيص اللفظ بالمراد وأن الغرض من المبين كشف المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>