للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقريره لتضمن "أمس" معنى الدبور, وينبغي أن يكون هنالك غرض يتعلق بهذا التأكيد كالتأسف عن دبوره لما كان فيه من دواعي السرور، أو الشماتة بدبوره لما كان فيه من بواعث الحزن والألم وإلا لم يكن ذكر الوصف من البلاغة في شيء, ومنه في وصف غير المسند إليه قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فالوصف هنا لقصد التأكيد.

٥- بيان المقصود من المسند إليه أي: إفرازه وتمييزه عن غيره، بأن يكون محتملا لمعنيين فيؤتى بالوصف لبيان المراد١ منهما. كما في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} وصف المسند إليه الأول وهو "دابة" بما يخص الجنس، وهو {فِي الْأَرْضِ} ووصف المسند إليه الثاني، وهو "طائر" بما يخص الجنس أيضا وهو "يطير بجناحيه" لبيان المقصود منهما، وهو أن المراد -كما قال صاحب الكشاف- زيادة٢ التعميم والإحاطة، وكأنه قيل: وما من دابة قط في جميع الأرضين، وما من طائر في جو السماء من كل ما يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم، تراعى شئونها، ولا يهمل أمرها.

بيان ذلك، كما في الكشاف: أن كلا من "دابة وطائر" نكرة وقعت في سياق النفي، والنكرة الواقعة في سياقه تفيد الاستغراق, غير أن


١ إلى هنا تبين أن الوصف يتنوع إلى وصف كاشف، ومخصص، ومؤكد، ومبين للمقصود, ولم يبق إلا أن نفرق بين هذه الأنواع, أما بين الوصف المبين للمقصود والمؤكد فهو أن المؤكد لا يلاحظ فيه بيان المقصود الأصلي بل الملاحظ فيه مجرد التأكيد والتقوية وبيان المقصود به حاصل غير مراد, والفرق بين الوصف المبين للمقصود والوصف الكاشف هو أن الكاشف يقصد به مجرد إيضاح معنى اللفظ, أما المبين للمقصود فإن الغرض منه بيان أحد المحتملين أو المحتملات للفظ بأن يحتمل اللفظ معنيين فأكثر, فيؤتى بالوصف لبيان المراد كما في "دابة وطائر" في الآية المذكورة, والفرق بين المبين للمقصود والمخصص أن الغرض من المبين للمقصود بيان أحد محتملات اللفظ ورفع غيره من محتملاته, وأن الغرض من المخصص بيان أحد أفراد المعنى الكلي ورفع غيره من الأفراد كما في "رجل تاجر عندنا" فقد ارتفع بالوصف الفقيه مثلا وهو أحد أفراد معنى الرجل الموضوع لمعنى كلي تحته أفراد أحدها الفقيه.
٢ وأما أصل التعميم فمستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي المقرون بمن الاستغراقية.

<<  <  ج: ص:  >  >>