للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأخيران من قبيل الاستعارة المكنية -على ما سيأتي- وأوضح هذه الطرق الأول، ويليه وضوحا الثاني، وأقلها وضوحا الثالث١.

وتارة أخرى: من طريق الكناية، فتقول "محمد كثير الرماد"، و"هو مهزول الفصيل"، "وهو جبان الكلب" فهذه تراكيب ثلاثة دالة على معنى "الجود" لأن كثرة الرماد، من كثرة إحراق الحطب للطبخ، من أجل الضيفان، وهزال الفصيل يكون بإعطاء لبن أمه للأضياف، أو بنحرها لهم -وجبن الكلب يكون لكثرة الواردين عليه من الضيوف، وأوضح هذه الطرق الأول، ويليه الثاني، ثم الثالث كما سنذكره بعد.

تنبيه: اعلم أن في التعريف تقييدين -تقييد المعنى "بالواحد" وتقييد الاختلاف "بوضوح الدلالة".

أما التقييد الأول: فالغرض منه: الاحتراز عن المعاني المتعددة المؤداة بطرق متفاوتة في وضوح الدلالة عليها: بأن يكون تركيب في معناه أوضح دلالة من تركيب آخر في معناه، كأن تعبر عن "الجود" بقولك: "محمد كالسحاب في الفيض" ثم تعبر عن معنى "الشجاعة فيه" بقولك: "مر بي أسد فحياني"، فمن الواضح: أن التركيب الأول في معناه أوضح دلالة من الثاني في معناه- ومثل هذا ليس من علم البيان في شيء، لأن المعنى في العبارتين مختلف -والشرط أن يكون المعنى فيهما واحدا- كما عرفت.

وأما التقييد الثاني: فالقصد منه الاحتراز عن الاختلاف في مجرد اللفظ لا في وضوح الدلالة- كما إذا أوردت معنى واحدًا في تركيبين مترادفين، وأنت عالم


١ أما أوضحية الأول فلظهور التجوز فيه بسبب التصريح باسم المشبه به، وأما الثاني والثالث فلخفاء التجوز فيهما لعدم التصريح باسم الشبه به -غير أن الثاني أوضح دلالة من الثالث لاشتماله على وصفين للمشبه به واشتمال الثالث على وصف واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>