للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشار سيدي وجدي أبو محمد عبد الله المرجاني، فيما نقل عنه من «الفتوحات الربانية» (١) في بعض كلام تقدمه شيء من عظيم شرف سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال رحمه الله: فمن ألهم الهداية، واتحف بجميل العناية، اهتدى بهداه (٢) صلى الله عليه وسلم، وتتبع أوامره، ووقف عند زواجره، واستسن بسنته، وهاجر إلى مدينته وشهد آثار شريف حجرته، ليستمد من مناهل بركته، فإذا تحقق ذلك، فليس مقصود الكل سوى سلوك نهج سنته، فليس المقصود إلا ذلك قرب مستوطن أبعد من بعيد لعدم ملاحظته كما وقعت الإشارة به مما يقتضي المهاجرة إلى حرمه المنيف وحرم ربه الشريف بقوله صلى الله عليه وسلم:

«إن الإيمان ليأرز فيما بين الحرمين» (٣) يعني مكة إذ هي مشرق طلعته ومهبط الوحي وموطن الأنس، وحرم المدينة وهي بقعة مغرب روحه الطاهرة، فهذا دليل على خصوصية البقعة لذاتها قبل الجواب عن ذلك، وذلك أن الإشارة الشريفة ظهرت معجزاتها وعمت الخافقين بركتها، وذلك أن سر الشريعة التي هي المقصد الأسنى في الإشارة ظهرت في مكة شرفها الله تعالى على يد الإمام الشافعي - رضي الله عنه - فكانت مشرفة بها نور مذهبه، ومالك - رضوان الله عليه - إمام دار الهجرة ظهرت إشارته المباركة في انتحاله ومذهبه فتمت عليه بركات مغرب روحه، فأخذ كل من الإمامين مراده صلوات الله عليه وسلامه بحظ وافر، فاختص أهل الشرف بمن كسي محاسن المشارق واختص أهل الغرب بمن حلّ بملابس المغارب، فتعلم من ذلك أن


(١) كتاب «الفتوحات الربانية في المواعيد المرجانية» مخطوط في التيمورية. انظر: حاجي خليفة: كشف الظنون ٢/ ١٢٣٧، الزركلي: الأعلام ٤/ ١٢٥، كحالة: معجم المؤلفين ٦/ ١٣٠.
(٢) في (ط): «بهديه».
(٣) له شاهد في دلائل النبوة للبيهقي ٢/ ٥٢٠ عن ابن عمر مرفوعا، وفي صحيح مسلم عن ابن رافع كتاب الايمان برقم (٢٣٣) ١/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>