الحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين … وبعد
تعنى الأمم بدراسة تواريخها سياسيا وحضاريا، كما تعنى بدراسة تاريخ عظمائها وذوي الرأي فيها ممن لهم تأثير في تطوير المجتمع ورقيه.
ولعل أمة من الأمم لم تبلغ عنايتها بالتاريخ ما بلغت الأمة الإسلامية، ولقد تجلى ذلك في أمرين:
الأول: في الشروط التي لا بد منها في توثيق الرواية، وقبول الأخبار، والتي كان لعلماء الحديث القدح المعلى في ضبط أصولها وتحديد قواعدها.
الثاني: في الإتجاهات التاريخية المتخصصة، والتي يقصر فيها كل مؤرخ جهده على إتجاه بعينه إستيعابا لمادته وجمعا للأشباه والنظائر، حتى تتكامل الصور التي يفيد منها في دراسته دون تشتيت للجهد، أو تضييع للوقت، تمييزا له عن غيره من المؤرخين.
ومن هنا تعددت أشكال البحث التاريخي عند مؤرخي الإسلام، كما تعددت مجالاته وعصوره، وكان التاريخ - بمعناه الكلي - الذي ينتظم كل نشاط إنساني مؤثر في حركة التاريخ مناط بحث دائم ومستمر، وبصور مختلفة في فكر مؤرخي الإسلام.
ولقد بدأ اشتغال مؤرخي الإسلام بكتابة سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومغازيه، وحولها تفجرت أفكارهم، فتناولها من كل جوانبها منذ منتصف القرن الثاني الهجري، وكان أول كتاب جامع لسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو كتاب «المبتدأ