للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمير عز الدين منيف بن شيحه بن القاسم بن مهني الحسيني (١) أمير المدينة - قال: أرسلني مولاي - المذكور - بعد ظهور النار بأيام، ومعي شخص من العرب يسمى حطيب بن سنان وقال لنا: اقربا من هذه النار، وانظرا هل يقدر (٢) أحد على القرب منها؟ فخرجت أنا وصاحبي إلى أن قربنا منها، فلم نجد لها حرا، فنزلت عن فرسي، وسرت إلى أن وصلت إليها، وهي تأكل الصخر والحجر، ومددت يدي إليها بسهم فعرق النصل ولم يحترق العود واحترق الريش». انتهى.

انظر إلى عظيم لطف الباري تعالى بعباده إذ سخرها بلا حرارة، إذ لو كانت كنارنا لأحرقت من هذا البعد (٣) فناهيك بقربها وعظمها، ولكنها ليست بأول مكارمه صلى الله عليه وسلم، وامتنان خالقها عز وجل، إذ أخمد حرها وجعل سيرها تهويدا لا تنقيبا (٤) حفظا لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأمته ورفقا لعباده ولطفا بهم {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (٥) وقد ظهر بظهورها معجزات بان بها آيات أسرار بديعة وعنايات ربانية منيعة، ففي انطماس نورها وسببه عدم حرها،


(١) عز الدين منيف بن شيحة الحسيني، كان أمير المدينة المنورة عند ظهور نار الحرة بالمدينة الشريفة. انظر: السخاوي: التحفة ١/ ٤٢٩.
(٢) في الأصل «يقذف»، وما أثبتناه من التعريف للمطري ص ٦٣ فقد نقل المؤلف عنه.
(٣) اضطرب كلام المصنف لفظا حين جزم بفقدان نار البركان خاصية الإحراق في قوله «قربنا فلم نجد لها حرا» ومع ذلك تأكل الصخر والحجر، فهذه عبارة تدل على فقدان نار البركان خاصية الإحراق، وبعدها قال: «ومددت يدي إليها بسهم فعرق النصل ولم يحترق العود واحترق الريش» فهذه العبارة تقطع بأن هذه النار لم تفقد خاصيتها لأنها أكلت الريش وعرق النصل أي أخرجت النار ما في النصل من رطوبة فعرق. وهذا الإضطراب يستلزم القطع بمبالغة المصنف كغيره من المؤرخين في وصف الحوادث كالحروب والمجاعات ونحو ذلك.
(٤) التنقيب: الإسراع، يقال نقبوا أي ساروا في البلاد طلبا للمهرب. والتهويد: عكس الإسراع، فالتهود الإبطاء في السير واللين والترفق، والتهويد المشي الرويد والسير الرفيق. انظر: ابن منظور: اللسان مادة «نقب»، «هود».
(٥) سورة الملك آية (١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>