واتجهت أنظار السلطان بيبرس، إلى استبقاء الخليفة العباسي الحاكم بأمر الله في القاهرة، ولم يعد يفكر بإرساله إلى بغداد لقتال التتار واسترجاع بغداد كحاضرة للعباسيين، وإنما أراد تقوية مركز الخلافة بالقاهرة بوجود الخليفة فيها، وليس هو رمز إلا رمز تقوى به السلطة، ويدعمه السلطان، ويقوى به أهل السنة أيضا، وتعود إلى المسلمين خلافتهم، ويقوى سلطانهم بالتفافهم حول الخليفة الذي هو رمز السلطة الإسلامية، وتكتسب الدولة المملوكية الصفة الشرعية، ويعظم نفوذها، وتزداد أهميتها لدى الدول الإسلامية الأخرى، وبالفعل فقد أصبح المماليك محط أنظار المسلمين، وأقوى دولة في تلك الحقبة من التاريخ (١).
ويبدو أن رغبة السلطان بيبرس في استبقاء الخلافة العباسية في مصر لتكون تحت بصره ومراقبته، كانت رغبة سياسية أكثر منها دينية، وبمعنى أوضح أن بيبرس كان يعي أن العالم الإسلامي ما يزال متعلقا بأهداب الخلافة، ناظرا إليها وإلى من يحتضنها نظرة إكبار، فقام بهذا العمل حتى يستطيع توسيع ملكه بمساعدة الخليفة على اعتبار أنه حامي حمى الدين، ولما تحقق للظاهر بيبرس ما أراد، وأصبح في غناء عن الخليفة، عمل على إضعاف شأنه، فأسكنه في مناظر قلعة الكبش حتى لا يتصل بالشعب، أو يتدخل في شؤون الدولة، بعد أن رتب له ما يكفيه وعائلته من القوت كل يوم، وقصر وظيفته على الصعود إلى القلعة لتقديم فروض الولاء والتهنئة إلى السلطان المملوكي في المناسبات العامة، كما استقدم السلطان عددا من أبناء البيت العباسي إلى مصر ليلوح بهم في وجه الخليفة الحاكم بأمر الله إذا ما حدثته نفسه بالخروج
(١) انظر: محمود شاكر: التاريخ الاسلامي، العهد المملوكي ص ٤٦.