فهي النوارية ذات النور، والمعدنية بين الثغور، عجزت البلغاء عن إثبات تصوير صور سماتها، وكلّ كل ذي فهم عن إفتهام أوصاف صفاتها، ووقف المهندسون عند تحديد حدود أقطار ست جهاتها، وتناهت في فضائلها أرباب العقول بتفكراتها، فلم تنحصر فضائلها بعد، ولم تتناهى لحدّ.
لما رأيتها دار سكنى خير البشر، أردت وضع مختصر في تاريخها حاويا كل الدرر، رجاء ثواب الله العميم، وتوسلا لشفاعة رسوله الكريم، وسألته التيسير على ما أمّلته وحسن التيسير فيما أمليته وسمّيته:
«بهجة النفوس والأسرار في تأريخ دار هجرة النبي المختار» صلى الله عليه وسلم، وشرف وكرم، وقد انتخبت فيه ما اخترته، وحذفت إسناد ما ذكرته، وذلك من جملة مصنفات كتب تنيف على المائتين تغني معرفتها لمقتنيها من كتابي هذا عن تسميتها، ومن الله تعالى أطلب التوفيق إنه الكريم الوهاب، وقد حصرت الكلام في عشرة أبواب:
الباب الأول:
في ذكر حد قطر المدينة الشريفة من حدود أقطار الأقاليم السبعة، وذكر أسمائها وأول ساكنيها، وفيه سبعة فصول.
الباب الثاني:
في ذكر فتح المدينة الشريفة وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه إليها، وفيه
(١) طيبة: صرفت لضرورة الشعر، وهذا مما يباح للشاعر دون الناثر، والشاعر يقصد أن طيبة الطيبة هي مكان تطيب فيه النفوس، لأنها طابت بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها.