للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظنته، فقالت: «لو رأى لمنع» فيقال عليه: لم يرَ، ولم يمنع، فاستمر الحكم، حتى إن عائشة لم تصرح بالمنع، وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع.

وأيضًا فقد علم الله ما سيحدثن فما أوحي إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى.

وأيضًا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت، والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب؛ لإشارته -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك منع التطيب والزينة (١).

• ويجدر التنبيه هنا على أن بعض الأولياء يتعسف في تطبيق ولايته التي أعطاه إياها الشارع الحكيم، فيضيق على نسائه ولو كن ممتثلات لأوامر الشرع عند خروجهن للمسجد، فحري بمثل هؤلاء أن يقتدوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما فعله صحابته من بعده، فعمر -رضي الله عنه- مع شدته في الحق لم يمنع زوجته الخروج للجماعة مع كراهته لخروجها، واستشهد في صلاة الفجر وهي في المسجد (٢)، وعبد الله بن عمر سب ابنه سبًا شديدًا لما جاهر برغبته في منع النساء من المساجد، مع ملاحظة أن ابنه احتج بما احتج به كثير من الفقهاء من خوف الفتنة بقوله: «إذن يتخذنه دغلًا» فلا ينبغي للولي أن يمنع المرأة من الخروج للجماعة، اتباعًا لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله، أمّا إذا شاهد منها عملًا يخالف الشرع الحكيم كالتبرج والتطيب ونحوها، فعليه أن يمنعها لا من مطلق الخروج بل من الخروج بالحال المذكورة.

وفي هذه المسألة يتبين نظرة الشارع الحكيم للمرأة إذ أنه لم يفرق بينها وبين الرجل في أحكامه إلا فيما لها خصوصية فيه، فالمرأة تحتاج بين آونة وأخرى إلى ما


(١) الفتح (٢/ ٣٥٠).
(٢) ينظر: الفتح (٢/ ٣٨٣).

<<  <   >  >>