للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى المانوية، إلى المزدكية، وقد تركت كل ديانة من هذه الديانات بصماتها الواضحة على كيان الأسرة والمجتمع، ويكفي أن نعرف ما عند المزدكية، فقد ظهر مزدك سنة ٤٨٧ م ودعا إلى المنهج ذاته الذي سلكه زرادشت من القول بالثنائية في العالم، وأنه نشأ من أصلين: النور والظلمة، ولكنه خلع على النور والظلمة مفهومًا آخر غير مفهوم (ماني وزرادشت) فكان يرى في النور والظلام أنما أخوة، ومن ثم يرى أن الناس جميعًا سواسية، وما داموا كذلك فليعيشوا في حالة مساواة، وأهم ما تحب المساواة فيه هو: المال والنساء.

وفي ذلك يقول الشهرستاني: «وكان مزدك ينهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال، ولما كان أكثر ذلك بسبب النساء والأموال، فقد أحل النساء، وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والنار والهواء» (١)

ويقول الطبري: «لقد ذهب مزدك وأصحابه إلى أن الله إنما جعل الأرزاق في الأرض ليقسمها العباد بينهم بالتأسي، ولكن الناس تظالموا فيها، وزعموا أهم يأخذون للفقراء، من الأغنياء، ويردون من المكثرين على المقلين. وأن من كان عنده فضل من الأموال والنساء والأمتعة، فليس هو بأولى من غيره، فارتضي السفلة ذلك واغتنموه، وكاتفوا (مزدك) وأصحابه وشايعوهم، فابتلي الناس بهم، وقوي أمرهم، حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله، وحملوا (قباذ) على تزيين ذلك وتوعدوه بخلعه، فلم يلبثوا إلا قليلًا حتى صاروا لا يعرف الرجل منهم ولده، ولا المولود أباه، ولا يملك الرجل شيئًا … » (٢) واستمر الوضع كذلك حتى قضى عليه كسرى أنو شروان.


(١) الملل والنحل (٢/ ٨٦).
(٢) تاريخ الأمم والملوك (٢/ ٩٨).

<<  <   >  >>