للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذا صح في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه (١) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا وفيه: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (٢).

وقد ذكر العلماء أن المسلم المقيم في بلد لم يفتحه المسلمون أحد ثلاثة:

الأول: من تجب عليه، وهو من يقدر عليها، ولا يمكنه إظهار دينه، ولا يمكنه إقامة واجباته مع المقام بين الكفار، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (٣) وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

الثاني: قادر، لكنه يمكنه إظهار دينه، وأداء واجباته في بلد الكفار، فمستحبة، لتكثير المسلمين، ومعونتهم، وجهاد الكفار، والأمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم.

الثالث: عاجز يعذر من أسر أو مرض أو غيره، فتجوز له الإقامة، فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر؛ لقوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (٤) وأخرج البخاري (٥) من حديث


(١) كتاب الإيمان، باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (١/ ١٣) ١٠.
(٢) ينظر تفصيل هذه الهجرة في زاد المهاجر لابن القيم.
(٣) النساء: ٩٧.
(٤) النساء: ٩٨ - ٩٩. وانظر: المغني (٩/ ٢٣٦)، روضة الطالبين (١٠/ ٢٨٢)، الفتح (٦/ ١٩٠)، عمدة القارئ (١٤/ ٨٠).
(٥) كتاب التفسير، باب: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (٤/ ١٦٧٩) ٤٣٢١.

<<  <   >  >>