للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الربط العجيب بين غض البصر وحفظ الفرج.

قال ابن القيم: «فإن اللحظة رائد الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق نظره أورده موارد الهلاك، والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، إذ أن النظرة تولد خطرة، ثم فكرة، ثم شهوة، ثم إرادة تقوى، فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر، أيسر من الصبر على ألم ما بعده.

ولهذا قال الشاعر:

كل الحوادث مبداها من النظر … ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة بلغت في قلب صاحبها … كمبلغ السهم بين القوس والوتر

والعبد ما دام ذا طرف يقلبه … في أعين العِين موقوف على الخطر

يسر مقلته ما ضر مهجته … لا مرحبًا بسرور عاد بالضرر

ومن العجب أن لحظة الناظر سهم لا يصل إلى المنظور إليه حتى يتبوأ مكانًا من قلب الناظر، ولي من قصيدة:

يا راميًّا بسهام اللحظ مجتهدًا … أنت القتيل بما ترمي فلا تصب

وأعجب من ذلك أن النظرة تجرح القلب جرحًا، فيتبعها جرح على جرح، ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها، ولي أيضًا في هذا المعنى

ما زلت تتبع نظرة في نظرة … في أثر كل مليحة ومليح

وتظن ذاك دواء جرحك وهو في … التحقيق تجريح على تجريح

فذبحت طرفك باللحاظ وبالبكا … فالقلب منك ذبيح أي ذبيح

وقد قيل: «إن جنس اللحظات أيسر من دوام الحسرات» (١).


(١) الجواب الكافي لابن القيم (١٠٧).

<<  <   >  >>