إليه تدعوه- فقالت:«يا جريج أنا أمك كلمني. فصادفته يصلي. فقال: اللهم أمي وصلاتي. فاختار صلاته. فرجعت ثم عادت في الثانية. فقالت: يا جريج أنا أمك فكلمني. قال: اللهم أمي وصلاتي. فاختار صلاته. فقالت: اللهم إن هذا جريج وهو ابن، وإني كلمته فأبى أن يكلمني، اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات. قال: ولو دعت عليه أن يفتين لفتن. قال: وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره. قال: فخرجت امرأة من القرية، فوقع عليها الراعي فحملت، فولدت غلامًا. فقيل لها: ما هذا؟ قالت: من صاحب هذا الدير. قال: فجاؤوا بفؤوسهم ومساحيهم فنادوه، فصادفوه يصلي. فلم يكلمهم. قال: فأخذوا يهدمون ديره. فلما رأى ذلك نزل إليهم. فقالوا: سل هذه؟ قال: فتبسم، ثم مسح رأس الصبي. فقال: من أبوك؟ قال: أبي راعي الضأن. فلما سمعوا ذلك منه، قالوا: نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة. قال: لا، ولكن أعيدوه ترابًا كما كان. ثم علاه» واللفظ لمسلم.
قال الحافظ:«وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع؛ لأن الاستمرار فيها نافلة، وإجابة الأم وبرها واجب. قال النووي وغيره: إنما دعت عليه فأجيبت؛ لأنه كان يمكنه أن يخفف ويجيبها، لكن لعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته، والعود إلى الدنيا وتعلقاتها.
كذا قال النووي، وفيه نظر لما تقدم من أنها كانت تأتيه، فيكلمها. والظاهر أنها كانت تشتاق إليه فتزوره، وتقتنع برؤيته وتكليمه، وكأنه إنما لم يخفف ثم يجيبها؛ لأنه خشي أن ينقطع خشوعه … واختلف أهل العلم هل تقطع الصلاة الإجابة دعوة الأم أم لا؟ والراجح أنها لا تقطع في الفرض، وأمّا إذا كانت الصلاة نفلًا، وعلم تأذي الوالد بالترك وجبت الإجابة وإلا فلا» (١).
٦ - بل إن الرب سبحانه وتعالى جعل بر الوالدين م ن أكبر الأسباب المكفرة
(١) الفتح (٦/ ٤٨٣) وانظر: شرح النووي (١٦/ ١٠٥)، عمدة القارئ (٧/ ٢٨٢).