للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القرطبي رحمه الله: «{فَتَشْقَى} يعني أنت وزوجك؛ لأهما في استواء العلة واحد، ولم يقل: فتشقيا؛ لأن المعني معروف، وآدم عليه السلام هو المخاطب، وهو المقصود، وأيضًا لما كان الكاد عليها، والكاسب لها كان بالشقاء أخص. وقيل: الإخراج واقع عليهما، والشقاوة على آدم وحده، وهو شقاوة البدن. ألا ترى أنه أعقبه بقوله: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} أي في الجنة {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} فأعلمه أن له في الجنة هذا كله! الكسوة والطعام والشراب والمسكن، وأنك إن ضيعت الوصية، وأطعت العدو، أخرجكما من الجنة، فشقيت تعبًا ونصبًا، أي جعت وعريت وظمئت وأصابتك الشمس (١)، لأنك ترد إلى الأرض إذا أخرجت من الجنة، وإنما خصه بذكر الشقاء، ولم يقل: فتشقيا؛ ليعلمنا أن نفقة الزوجة على الزوج، فمن يومئذ جرت نفقة النساء على الأزواج، فلما كانت نفقة حواء على آدم، كذلك نفقات بناها على بني آدم بحق الزوجية، وأعلمنا في هذه الآية أن النفقة التي تحب للمرأة على زوجها هذه الأربعة: الطعام والشراب، والكسوة، والمسكن، فإذا أعطاها هذه الأربعة فقد خرج إليها من نفقتها، فإن تفضل بعد ذلك فهو مأجور، فأما هذه الأربعة فلا بد لها منها؛ لأن بها إقامة المهجة» (٢).

٥ - ما أخرجه البخاري (٣)، ومسلم (٤) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله


(١) يقول الزمخشري في الكشاف: «وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والعري والظمأ والضحو؛ ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره الله منها حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها» (٣/ ٩٣).
(٢) الجامع لاحكام القرآن (١/ ٢٥٣).
(٣) كتاب الأحكام، باب قوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} (٦/ ٢٦١١) ٦٧١٨.
(٤) كتاب الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر (٣/ ١٤٥٩) ١٨٢٩.

<<  <   >  >>