ذلك أن الإِمام ليس عالمًا فقط بل يعد من رجال الدين ومن علماء الشريعة وإنما هو رجل وهبه الله سبحانه وتعالى عقلًا كبيرًا وفكرًا صائبًا ونظرًا بعيدًا وشخصية قوية مؤثرة كما منحه الله تعالى إخلاصًا في عمله وثباتًا عليه وتحملًا فيه فصار بهذه المواهب الفطرية والمنح الإلهية معدًا ومهيئًا لأن يكون من رجال الإِصلاح ومن قادة الفكر فكانت هذه العوامل الكبيرة هي السبب في معرفة الباطل الذي عليه أهل زمنه فنفر مما هم عليه وهي السبب في أن يذهب إلى مصادر الإِسلام فيجد فيها الدواء لهذه الأمراض التي حلت في بلاد المسلمين ثم يعرف كيف يعالج هذه الأمراض وما هي الطريق الناجعة التي يسلكها لذلك ثم يعرف السبب الذي يقنع به الأمراء والزعماء لينقادوا لدعوته ويكونوا عونًا له على مهمته ثم يسير قافلة الجهاد القولي والفعلي بهذه الحنكة والتدبير لبليغ الدعوة غايتها فلا يموت وإلا وقد تحقق ما رسمه في ذهنه وتمناه بقلبه وقصده بتدبيره.
وهكذا أراد الله بحكمته أن تبلغ تلك الدعوة مداها فهو إذا قدر الأمور العظام خلق لها الرجال الأكفاء الكرام.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب كتب عنه وعن دعوته كثير من العلماء والمفكرين والأدباء وأجمعوا على أنه من كبار الزعماء، فالذين عرفوه حق المعرفة وفهموا دعوته قد تحقق لديهم أنه من زعماء الإِصلاح وإنه من رجال الدعوات الناجحة وأن دعوته كانت السبب الأول والشعلة المنيرة التي أضاءت الطريق للحركات الإِصلاحية التي قامت في مصر والعراق وتونس والشام والهند وغيرها والتي نادى بها رجال من زعماء الإِصلاح، وأن هؤلاء الزعماء المصلحين يعدون بحق ممن تأثروا به وبدعوته ونهجوا نهجة واقتفوا أثره. على أن بعض من كتب عنه من غربيين وشرقيين قد أساءوا فهم دعوته فأوردوها على غير حقيقتها والسبب في ذلك كله تأثرهم بما كتبه أخصام الشيخ وأعداء دعوته الذين تحدثوا عنها بعداء وحقد وبغض فشوهوها وحرّفوها حسبما أملته عليهم أهواؤهم.
والآن وقد تقاربت وسهلت الاتصالات حتى صار في مقدرة كلّ منصف ومحب للحقيقة أن يستقي الأخبار من منابعها الأصلية وأن يقف على الدعوة من كتاب غير مغرضين من قرب. وأن ينبذ الأباطيل المفتراة والأكاذيب الملصقة،