للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليرى صفاء الدعوة ونور الحق وضياء البرهان من دعوة إسلامية تريد للمسلمين أن يعودوا إلى إسلامهم الذي أكمله الله لهم وطلب منهم تحقيقه ليعودوا إلى سالف مجدهم وماضي عزهم وليقودوا العالم الإِسلامي من ظلمات الجهل وجور الظلم وزيغ العقائد إلى نور العلم وجمال العدالة ورسوخ الإِيمان بالله تعالى، وهذه هي حقيقة الدعوة التي جددها الشيخ محمد - رحمه الله - وجاهد ببدنه وماله وقلمه ولسانه حتى أظهرها الله تعالى بمساندة ومساعدة السابقين واللاحقين من ملوك آل سعود الذين جعلهم الله تعالى حماة لهذا الدين وأنصارًا وأعوانًا لإظهاره ونشره.

[وفاته]

تصور معي أن رجلًا فذًا زعيمًا إسلاميًا نشأ في بيئة جاهلة جافية متقاطعة متباعدة فبث فيها دعوة الخير والصلاح حتى جمع عليها القلوب وألف عليها الأمة ولمّ على هداها الشمل ثم قام بإصلاحها علميًا وسياسيًا واقتصاديًا حتى أصبحت تلك الأمم المتفرقة والقبائل المتقاطعة والبلدان المتباعدة حكومة واحدة يسودها العدل وتحكمها الشريعة ويعيش فيها باعث هذه الحركة من جدثها وقائد تلك الدعوة وناظم عملها حتى كثر أتباعه وعظم شأنه وظهر أثر نعمة دعوته وبدت ثمارها وزكت نتائجها وعرف فضله وأثره فيها. وتألق نجمه وعلت مرتبته وبعد ذكره فإذا بلغ من الزعامة أقصاها ومن المحبة والمودة منتهاها ومن الاعتراف بالجميل أقصى غاياته يغرب نجمه وتأفل شمسه، فيرحل على مرأى ومسمع من هذا الحشد الكبير المتعلق به.

وإن القلم ليعجز عن تصوير عظم الخطب وفداحة المصيبة وجسامة الخسارة، وأن اللسان لا يستطيع وصف حال الجمهور الكبير الذي شيّع الراحل بقلوب متفطرة وألسنة ملجمة وأعين شاخصة وكواهل واهنة ولن نتصور كيف أخذ هذا الجمع الحاشد يعزي بعضه بعضًا شاعرين بجلال الخطب وألم المصيبة وإنك لتحس بالفراغ الذي خلفه بعد رحيله والوحشة التي خيمت على مجالسه وحلقاته، وهكذا يفقد الزعماء الذين استولت محبتهم على النفوس فإن المصاب بهم كبير والخسارة في فقدهم جسيمة.

وبهذه المشاعر التي لم نستطع وصفها، رحل الشيخ محمد بن عبد الوهاب

<<  <   >  >>