عن أبي داود السجستاني قال لم يكن أحمد بن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا فإن ذكر العلم تكلم وقال مجالس أحمد بن حنبل مجالس الآخرة لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا ما رأيت أحمد بن حنبل ذكر الدنيا قط وعن الحسين بن المناوي قال سمعت جدي يقول كان أحمد من أحيى الناس وأكرمهم نفسًا وأحسنهم عشرة وأدبًا كثير الاطراق والغض معرضًا عن القبيح واللغو لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث وذكر الصالحين والزهاد في وقار وسكون ولفظ حسن وإذا لقيه إنسان بشَ به وأقبل عليه وكان يتواضع للشيوخ تواضعًا شديدًا وكانوا يكرمونه ويعظمونه وسئل لم لا تصحب الناس قال لوحشة الفراق وعن إسحاق بن هانئ قال كنا عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل في منزله ومعنا المروذي ومهنا بن يحيى الشامي فدق داق الباب وقال المروذي ها هنا وكان المروذي كره أن يعلم موضعه فوضع مهنا بن يحيى إصبعه في راحته وقال ليس المروذي ها هنا وما يصنع المروذي ها هنا فضحك أحمد ولم ينكر ذلك.
[ذكر محنته رضي الله عنه]
وسبب ذلك أنه لم تزل الناس على ما كان عليه السلف وقولهم أن القرآن غير مخلوق حتى ظهرت المعتزلة الضالة وقالت يخلق القرآن وكان الناس في زمن أمير المؤمنين هارون الرشيد على ما كان عليه السلف كما روي عن محمد بن نوح قال سمعت هارون أمير المؤمنين يقول بلغني أن بشر المريسي زعم أن القرآن مخلوق على أن ظفرني الله به لأقتلنه قتلة ما قتلها أحد قط. واستمر الأمر كذلك في زمن الأمين محمد بن هارون الرشيد. ثم ولي المأمون أبو جعفر عبد الله بن هارون الرشيد وكانت ولايته في الحرم وقيل في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة فصار إليه قوم من المعتزلة وأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل وحسنوا له قبيح القول بخلق القرآن فصار إلى مقالتهم وقدر أنه في آخر عمره خرج من بغداد لغزو بلاد الروم فعن له أن يكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب صاحب الشرطة ببغداد أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن. فاستدعى جماعة من