أحدهما فدفعه إلي وكان مما يلي جلده وأعطاني جواب الكتاب فخرجت حتى قدمت عَلَى الشافعي فأخبرته بما جرى قال فأين الثوب قلت هو ذا قال لا نبتاعه منك ولا نستهديك ولكن اغسله وجئنا به قال فغسلته وحملت مائه إليه فتركه في قنينة فكنت أراه في كل يوم يأخذ منه فيمسح على وجهه تبركًا بأحمد بن حنبل رضي الله عنهما. ومن ورعه أنه نهى ولديه وعمه عن أخذ العطاء من مال الخليفة فاعتذروا بالحاجة فهجرهم شهرًا وأجرى عليه المتوكل وعلى ولده وأهله أربعة آلاف درهم في كل شهر فبعث إليه أبو عبد الله أنهم في كفاية فبعث إليه المتوكل إنما هذا لولدك ما لك ولهذا وقال أحمد بن محمد التستري أتى على أحمد ثلاثة أيام ما طعم فيها شيئًا فبعث إلى صديق له فافترض منه شيئًا من دقيق فعرف أهله شدة حاجته إليه فخبزه عاجلًا فلما وضع بين يديه قال كيف خبزتم هذا بسرعة قالوا كان تنور صالح مسجورًا فخبزناه عاجلًا قال ارفعوه ولم يأكل منه لأن صالحًا ولي القضاء قال ابن عساكر لما ولي ابنه صالح القضاء كان بينه وبينه باب فسده الإمام أحمد وله غير ذلك شيء كثير رحمه الله تعالى.
[ذكر ما قيل فيه من الأشعار والمراثي]
قال إسماعيل الترمذي في قصيدة أنشدها أحمد بن حنبل رحمه الله وهو في سجن المحنة:
إذا ذكر الأشياخ يومًا وحرروا … فاحمد من بين المشايخ جوهر
دقيق أديم الوجه حلو مهذب … لدى كل ذي علم وتقوى موقر
لعمرك ما يهوى لأحمد نكبة … من الناس إلا ناقص العقل مغور
هو المحنة اليوم الذي يبتلى به … فيعتبر السني فينا ويسبر
شجى في حلوق الملحدين وقرة … لا عين أهل النسك عف مشمر
جرى سابقًا في حلبة الصدق والتقى … كما طبق الطرف الجواد المضمر
إذا افتخر الأقوام يومًا بسيد … ففيه لنا والحمد لله مفخر