بها أربعة عشر بحثًا من فنون العلم وبهذه السنة انتهى تفسيره للقرآن على المنبر فسجد عليه سجدة الشكر وقال ما عرفت أن واعظًا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن ثم في شعبان أسندت إليه مدرسة أخرى كتب اسمه على حائطها وبنى له دكة في جامع القصر فجلس فيها يوم الجمعة ثالث رمضان وحضر الخليفة مجالسه غير مرة وتكلم يوم عاشوراء سنة أربع وسبعين وأمير المؤمنين حاضر فقال: لو إني مثلت بين يدي السدة الشريفة لقلت يا أمير المؤمنين كن لله سبحانه مع حاجتك إليه كما كان لك مع غناه عنك أنه لم يجعل أحدًا فوقك فلا ترض أن يكون أحد أشكر له منك فتصدق أمير المؤمنين يومئذ بصدقات وأطلق محبوسين وتقدم أمير المؤمنين في هذه السنة بعمل لوح ينصب على قبر الإِمام أحمد وحصل للشيخ أبي الفرج والحنابلة بسببه التعظيم الزائد وجعل الناس يقولون للشيخ أبي الفرج هذا كله بسببك فإنه ما ارتفع هذا المذهب عند السلطان إلا بسماع كلامك وتكلم يومًا بحضرة الخليفة فحكى له موعظة شيبان للرشيد وقوله له في كلامه يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك وإن سكت خفت عليك وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك والحاصل أن مجالسه الوعظية لم يكن لها نظير ولم يسمع بمثلها وكانت عظيمة النفع يتذكر بها الغافلون ويتعلم منها الجاهلون ويتوب فيها المذنبون ويسلم فيها المشركون.
وقال على المنبر في آخر عمره كتبت بأصبعي هاتين ألفي مجلدة وتاب على يدي مائة ألف وأسلم على يدي عشرون ألف يهودي ونصراني وله التصانيف في فنون العلم من التفسير والفقه والحديث وهو أحسن فنونه والوعظ والرقائق والتواريخ وغير ذلك وإليه انتهت معرفة الحديث وعلومه والوقوف عَلَى صحيحه من سقيمه وله فيه المصنفات من المسانيد والأبواب والرجال ومعرفة ما يحتج به في أبواب الأحكام والفقه وما لا يحتج به من الأحاديث الواهية والموضوعة وله في الوعظ العبارات الرائقة والإشارات الفائقة وكان من أحسن الناس كلامًا وأتمهم نظامًا وأعذبهم لسانًا وأجودهم بيانًا وبورك له في عمره وعمله فروى الكثير وسمع الناس منه أكثر من أربعين سنة وحدث بمصنفاته مرارًا ومن إنشاده لنفسه وهو بواسط: