وعشرين وخمسمائة بجماعيل وهاجر والده به وبأخيه الشيخ موفق الدين وأهلهم إلى دمشق سنة إحدى وخمسين وخمسمائة لاستيلاء الأفرنج على الأرض المقدسة فنزلوا بمسجد أبي صالح ظاهر باب شرقي فأقاموا به مدة نحو سنتين ثم انتقلوا إلى الجبل حفظ الشيخ أبو عمر القرآن وقرأه بحرف أبي عمرو وسمع الحديث من والده ومن جماعة وقدم مصر فسمع بها وخرج له الحافظ عبد الغني المقدسي أربعين حديثًا من رواياته حدث بها وسمع منه جماعة منهم ولده قاضي القضاة شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن وحفظ مختصر الخرقي في الفقه وتفقه في المذهب وقرأ النحو بمصر وكتب بخطه كثيرًا ومما كتبه المغني في الفقه لأخيه الشيخ موفق الدين وكتب مصاحف كثيرة وكتب الخرقي للناس والكل بغير أجرة وكان سريع الكتابة وربما كتب في اليوم كراسين بالقطع الكبير وقد جمع الله له معرفة الفقه والفرائض والنحو مع الزهد والعمل وقضاء حوائج الناس وكان لا يكاد يسمع حديثًا إلا عمل به وكان يصلي بالناس في نصف شعبان مائة ركعة وهو شيخ كبير وكان أنشط الجماعة وكان لا يترك قيام الليل من وقت شبابه وسافر هو وجماعة فقام في الليل يصلي ويحرس الجماعة وقلل الأكل في مرضه قبل موته حتى عاد كالعود ومات وهو عاقد على أصابعه يسبح ولما نزل صلاح الدين عَلَى القدس كان هو وأخوه الموفق والجماعة في خيمة فجاء العادل إلى زيارته وهو في الصلاة فما قطعها ولا التفت ولا ترك ورده وكان يحضر الغزوات مع الملك صلاح الدين وكراماته كثيرة وفضائله غزيرة وكان يخطب بجامع الجبل وله حرمة عند السلطان نور الدين محمود بن زنكي وله آثار جميلة منها مدرسته المشهورة بالجبل وهي وقف على أهل القرآن والفقه وقد صارت هذه المدرسة مأوى العلماء العاملين ومسكن الفقهاء الصالحين وقد رأس جماعة من مجاوريها وصاروا من أعيان المذهب ووجوه الناس وكان عَلَى مذهب السلف الصالح متمسكًا بالكتاب والسنة والآثار المروية وأنشد لنفسه: