وهذا واضح أن الكلام لابن عبد الحكم عن مالك رحمهما الله، وأيد ذلك ابن عبد البر فقال في الكافي ٢/ ٩٠٠، وليس التعديل عند مالك بان يقول الرجل لا أعلم إلا خيرًا، ولا أن يقول: هو عدل لي وعلي، ولكن يقول: هو عدل رضى ولا يقتصر على وصفه بالعدالة دون الرضى ولا بالرضى دون العدالة حتى يقول بالصفتين، هذا تحصيل مذهبه عند جمهور أصحابه. انتهى. وقد ذكر مذهب أبي حنيفة ﵀ الإمامُ بدر الدين العيني في عمدة القاري ٢٠/ ٢٢١، فقال: باب إذا عدل رجل أحدًا فقال: لا نعلم إلا خيرًا أو قال ما علمت إلا خيرًا … ثم قال: وروى الطحاوي عن أبي يوسف أنه إذا قال ذلك قبلت شهادته ولم يذكر خلافًا عن الكوفيين في ذلك، واحتجوا بحديث الإفك، على ما يأتي حديث الإفك، وعن محمد: لا بد أن يقول المعدل هو عدل جائز الشهادة والأصح أنه يكتفي بقوله هو عدل، وذكر ابن التين عن ابن عمر أنه كان إذا أنعم مدح الرجل قال: ما علمنا إلا خيرًا، وروى ابن القاسم عن مالك أنه أنكر أن يكون قوله لا أعلم إلا خيرًا تزكية وقال: لا يكون تزكية حتى يقول رضا وأراه عدلًا رضا. انتهى كلام العيني ﵀. وهذا واضح وضوح الشمس في ضحاها. والله أعلم. (١) هذا أيضا كلام ابن عبد الحكم عن مالك، فإن المعلوم عن أبي حنيفة وأصحابه أنهم يجيزون قبول شهادة النصارى بعضهم على بعض، فقد قال الجصاص في أحكام القرآن ٤/ ١٦٤: وقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وإن اختلفت مللهم قول أصحابنا وعثمان البتي والثوري، وقال ابن أبي ليلى والأوزاعي والحسن وصالح والليث تجوز شهادة أهل الكفر بعضهم على بعض ولا تجوز على ملة غيرها، وقال مالك والشافعي: لا تجوز الملل بقوله تعالى أو آخران من غيركم يعني غير المؤمنين. ومما يدل على ذلك أيضًا ما ذكره الطحاوي في مشكل الآثار ١١/ ٤٥٤ فقال: وقد سمعت يونس يقول: سمعت ابن وهب يقول: خالف مالك بن أنس معلميه في رد شهادة النصارى بعضهم على بعض، كان ابن شهاب، ويحى بن سعيد وربيعة يجيزونها.