للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإبراهيم عليه السلام أضاف المرض إلى نفسه، وإن كان المرض والشفاء كله من الله، استعمالًا لحسن الأدب، فلم يقل: (وإذا أمرضني) حفظًا للأدب مع الله -سبحانه وتعالى- كما قال الخضر عليه السلام في السفينة: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: ٧٩]، فقد نسب العيب إلى نفسه، ولم يقل: فأراد ربك أن أعيبها، ولكنه عندما تحدث عن الغلامين نسب الفضل لله فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: ٨٢]، وهذا غاية في الأدب.

* من أدب موسى - صلى الله عليه وسلم -:

تأمل -أخي الكريم- أدب موسى الكليم عليه السلام في الطلب، عندما ذهب إلى مدين، قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)} [القصص٢٣: ٢٤].

والمعنى أنَّ موسى عليه السلام يطلب فضل الله وخيره، ويعلن أنه فقير ومحتاج إلى فضل الله سبحانه، وتأمل أسلوب العرض في قوله: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} ولم يقل: (أطعمني)، أو (أوجد) لي مسكنًا أسكن فيه؛ لأنه لما قدم مدين لم يكن له قريب، أو سكن يأوي إليه، وإنما جاء وحيدًا وليس له مكان يأويه، فافتقر إلى الله سبحانه، فما كاد يتم دعاءه إلا والاستجابه تأتي: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ

<<  <   >  >>