مسه، ولم يسترسل في الكلام عن نفسه، ولم يتسخط، أو يشك، أو يعترض، وإنما أشار إلى أن هذا الضر مسه، ولم يقل:(فاعفني واشفني) بصورة الأمر، وفي هذا غاية الأدب مع الله عز وجل والرضا بقدره.
* من أدب عيسى - صلى الله عليه وسلم -:
قال الله سبحانه: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦)} [المائدة: ١١٦]. فمن كمال أدب المسيح عليه السلام في خطابه لربه، أنه لم يقل عليه السلام:"لم أقل شيئًا من ذلك"، وإنما أخبر بكلام ينفي عن نفسه أن يقول أي مقالة تنافي منصبه الشريف، وأن هذا من الأمور المحالة، ونزه ربه عن ذلك أتم تنزيه، ورد العلم إلى عالم الغيب والشهادة.
وهذا من أَبلَغ الأدَب مع الله سبحانه في مثل هذا المقام، فقوله:{قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}[المائدة: ١١٦].
هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل من عيسى عليه السلام، تنزيها وتعظيماً لربه سبحانه عن الشريك، ومما لا يليق، وأنه ليس من حقوقه القول على الله بغير حق.
وذكر لي بعض الفضلاء فائدة عن أدب عيسى عليه السلام فقال: يظهر أدب عيسى عليه السلام مع ربه في قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)} [المائدة: ١١٨].