ويؤيد هذا قصة ثُماَمَة بن أثال الحنفي، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعثَ النبي - صلى الله عليه وسلم - خَيلاً قِبَلَ نجد، فجاءت برجُلٍ من بني حنيفةَ، يقالُ له ثُمَامَةُ بن أُثَالٍ، [سيدُ أهلِ اليمامةِ]، فربطوهُ بسارية من سواري المسجد، فخرجَ إليهِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:"ماذا عِندَك يا ثمامة؟ " فقال: عندي خُير يا محمدُ، إِن تقتلني تقتل ذا دَم، وإن تُنعم تُنعِم على شاكر؟ وإن كُنتَ تريدُ المال فَسَل منهُ ما شِئتَ، فتركهُ حتى كان الغدُ، ثم قال له:"ما عندك يا ثمامة؟ " فقال: عندي ما قلت لك، فقال:"أَطلِقُوا ثُمامة".
فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسلَ ثُمّ دخل المسجد، فقال:"أشهدُ أَن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله"(١).
قلت: ما الذي حمل ثُمامة على الإسلام وقد وقع في الأسر؟ لماذا لم يذهب إلى أهلهِ بعد أن أطلقه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأسر؟ لماذا لم يقل: إنَّ المسلمين أسروني وقيدوني في المسجد، وأنا سيد قومي، ولي مكانة رفيعة، وشأن عظيم؟! ولكن ثُمامة أبصر الدعوة العملية، فالدعوة إلى الله عملية وقولية، وقد سمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم في المسجد عن الإسلام، وشاهد تعامل الصحابة وتطبيقهم العملي لهذا الدين وحسن أخلاقهم، وهنا أدرك حقيقة الإسلام، فأسلم سريعا، ورب عملٍ واحد أبلغ من ألف قول.
[الثمرة الثالثة]
تقوية إرادة الإنسان، وتمرين النفس على فعل الخير وترك الشر، حتى
(١) أخرجه البخاري (٥/ ٧٥، ٨/ ٨٧ - فتح)، ومسلم (١٧٦٤) في كتاب الجهاد.