قتل من قتل من كفار قريش، وأسر من أسر منهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَو كَانَ المُطعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتنَى لَتَرَكهُتم لَهُ"(١).
[التعامل مع الكفار ليس بدرجة واحدة]
والمطعم بن عدي من كفار قريش، حفظ له النبي - صلى الله عليه وسلم - الجميل الذي قام به بعد عودة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الطائف إلى مكة، ثم امتناع قريش من قبول دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة، فما كان من المطعم إلا أن قال: قد أجرت محمدًا، ثم بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ادخل، فدخل رسول الله، فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى: يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم، فهناك أحوال يكون فيها الصفح والمغفرة، وأحوال يكون فيها رد الإساءة بالإساءة، وتارة الشدة والغلظة، فالقضية ليست واحدة، وإنما لكل موقف تعامل خاص، وليس بصواب أن نأخذ آية واحدة من القرآن وننزلها على كل الأحوال؛ كقول الله تعالى:{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[التوبة: ٧٣]، فيكون المؤمن مع الكافر دائمًا في غلظة، فلا يجيبه، ولا يزوره ولا يدعوه، وهذا ليس بسديد، وكذلك لا يقال للمؤمن: كن دائمًا متساهلًا متنازلًا، فلكل مقام مقال.
فالعلاقات الإنسانية متعددة، ولكل موقف صورة للتعامل، فلا بد من الأخلاق الحسنة مع مجموع البشر كل بحسبه، فإذا كان لنا جار، أو قريب غير مسلم، ننظر في أمره، فإن كان مسالمًا في علاقته، قَبِلنا هديته،
(١) أخرجه أحمد (٤/ ٨٠)، والبخاري (٣١٣٩ - فتح) في كتاب فرض الخمس، وأبو داود (٢٦٨٩).