اعلم -أحسن الله إليك- أنَّ الإنسان لا يخلو من إحدى ست أحوال: الأولى: أن تكون أخلاقه كلها صالحة في الأحوال كلها، فهي النفس الزكية، وصلاحها هو الخير التام، وصاحبها هو السيد بالاستحقاق، فيحفظ صلاح أخلاقه كما يحفظ صلاح جسده، ولا يغفل عن مراعاتها، ثقة بصلاحها، فإن الهوى مراصد، والمهمل معرض للفساد.
[والحالة الثانية]
أن تكون أخلاقه كلها فاسدة في الأحوال كلها، فهي النفس الخبيثة، وفسادها هو الشر التام، وصاحبها هو الشقي بالاستحقاق، فيعالج فساد نفسه كعلاجه مرض جسده، وهو أصعب أحوالها علاجًا، وأبطؤها صلاحًا.
وقد قال بعض الحكماء: لا مرض أوجع من قلة العقل.
[والحالة الثالثة]
أن تكون أخلاقه صالحة في كل الأحوال، فتنقلب كلها إلى الفساد في كل الأحوال، فهو المستعاذ به من "الحور بعد الكور"(١).
(١) جزء من حديث أخرجه مسلم (١٣٤٣)، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، كان - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر يقول: "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال"، ولكن في رواية مسلم (والحور بعد الكون) بالنون، وليس الراء وهما روايتان، والمعنى الرجوع من الإيمان والاستقامة، إلى الكفر والانحراف، ومن الصلاح إلى الفساد، ومن الطاعة إلى المعصية.