للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكلاهما لا يَرَاهُ.

والثالثُ: بمنزلةِ البصير الذي قد حَدَّقَ إلى جهة المنظُورِ، وأتبعهُ بصرَهُ، وقابلَهُ على توسطِ من البُعدِ والقُربِ، فهذا هو الذي يرَاهُ.

فَسُبحَانَ من جعلَ كلامهُ شفاءَ لما في الصدور.

فاعلم أن الرجُلَ قد يكونُ له قلب وقال، مليءٌ باستخراج العِبَرِ، واستنباط الحِكَم، فهذا قلبُه يُوقعُهُ على التذكر والاعتبار، فإذا سمع الآيات كانت له نُورًا على نور. وهؤلاءِ أكملُ خَلقِ الله، وأعظمهم إيمانًا وبصيرةً، حتى كأنَّ الذي أخبرهُم به الرسولُ مشاهد لهم، لكن لم يشعُرُوا بتفاصيله وأنواعه.

فصاحبُ هذا القلب إذا سَمِعَ الآياتِ وفي قلبه نُور من البصيرةِ، ازداد بها نُورًا إلى نُوره، فإن لم يكن للعبد مِثلُ هذا القلبِ، فألقى السمعَ وشهد قلبُهُ، ولم يغب حَصَلَ له التَّذَكُرُ أيضاً {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة: ٢٦٥]، والوَابِلُ والطلُ في جميع الأعمال وآثارها ومُوجِباتها. وأهلُ الجنَّة سابقُونَ مُقرَّبُونَ، وأصحابُ يمينِ وبينهما في درجاتِ التفضيلِ ما بينهُمَا (١).

* كتب التفسير معينة على التدبر:

قال إياس بن معاوية التابعي: "مثلُ الذين يقرؤون القرآن وهم لا يعرفون تفسيره، كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلًا، وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة ولا يدرون ما في الكتاب، ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرؤوا ما في الكتاب" (٢).


(١) "مدارج السالكين" (١/ ٤٤١).
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" (١/ ٢٦).

<<  <   >  >>