الأول: لأنه خطاب في وقت غضب الرب عليهم، والأمر بهم إلى النار، فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة، بل مقام براءة منهم، فلو قال:"فإنك أنت الغفور الرحيم"، لأشعر باستعطافه ربَّه على أعدائه الذين قد اشتد غضبه عليهم، فالمقام مقام موافقة للرب في غضبه على مَن غضب الرب عليهم، فعدل عن ذكر الصفتين اللتين يسأل بهما عطفه ورحمته ومغفرته إلى ذكر العزة والحكمة، المتضمنتين كمال القدرة وكمال العلم.
الثاني: فيها إشعار بأن الله لو غفر لهم، فليس ذلك عن عجزه عن الانتقام منهم ولا عن خفاء جرائمهم عليه، لا، بل هو عزيز حكيم، فالصفة الأولى تتضمن كمال القدرة، والثانية كمال العلم (١).
أخي القارئ:
الأدب مع الله سبحانه يعني القيام بدينه، والتأدب بآدابه، ولا يستقيم لأحدٍ قط الأدب مع الله تعالى إلا بثلاثة أشياء:
١ - المعرفة بأسمائه وصفاته.
٢ - المعرفة بدينه وشرعه، وما يحب وما يكرَه.
٣ - أن تكون له النفس مستعدة ومتهيئة لقبول الحق علمًا وعملًا وحالًا.
*****
(١) تنبيه، تبين لي بعد النظر في هذه الفائدة أن هذا الكلام النفيس للإمام ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (٣٥٨) بتصرف، فالحمد لله رب العالمين.