الملائكة. ولو أراد المتوضئين لقال: لا يمسه إلا المتطهرون. كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: ٢٢٢]، فالملائكة مطهرون، والمؤمنون متطهرون.
ومنها: أن هذا إخبار. ولو كان نهيًا لقال: لا يمسَسه بالجَزم. والأصل في الخبر: أن يكون خبرًا صُورةَ ومعنى.
ومنها: أن هذا ردٌّ على من قال: إن الشيطان جاء بهذا القرآن. فأخبر تعالى: أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين، ولا وصول لها إليه، كما قال تعالى في آية الشعراء: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١)} [الشعراء ٢١٠ - ٢١١]، وإنما تناله الأرواح المطهرة. وهم الملائكة.
ومنها: أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)} [عبس١٢: ١٦].
قال مالك في موطِئه: أحسن ما سمعت في تفسير قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} أنها مثل هذه الآية التي في سورة عبس (١).
ومنها: أن الآية مكيَّة من سورة مكية. تتضمن تقرير التوحيد والنبوة والمعاد، وإثبات الصانع، والرد على الكفار. وهذا المعنى أليق بالمقصود
(١) ومالك بن أنس -رحمه الله- أحد الأئمة الأربعة المشهورين، انظر قوله في الموطأ (١/ ١٩٩) مع بيان كراهية حمله وهو غير طاهر إكرامًا للقرآن وتعظيمًا له. قلت: وسبق رواية المروزيّ -رحمه الله- عن الإمام أحمد بن حنبل ومن قبله التابعي عطاء، وغيرهم، مما يدل على أن الطهارة ليست شرطًا للقراءة ولكنها مستحبة على الصحيح من أقوال أهل العلم، والله أعلم.