والنطقُ بالشهادةِ بذلك اللسان، ثم الإيمانُ به والتصديقُ له، كما ورد في الحديثِ نفسهِ من رواية عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "أمرت أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"(١).
وقد زاده وضوحًا في حديث جبريل؛ إذ قال: أخبرني عن الإسلام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله". وذكر أركان الإسلام، ثم سأله عن الإيمانِ فقال:"أن تؤمن بالله وملائكتهِ وكتبه ورسله" الحديث، فقد قرَّرَ أن الإيمان به محتاجٌ إلى العقدِ بالجنانِ، والإسلام به مضطرٌ إلى النطق باللسان.
وهذِه الحال المحمودة التامة.
وأما الحال المذمومة فالشهادةُ باللسان دون تصديقِ القلبِ، وهذا هو النفاق، قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١)}، أي كاذبون في قولهم ذلك عن اعتقادهم وتصديقهم، وهم لا يعتقدونه، فلما لم تُصَدِّق ذلك ضمائرُهُم لم ينفعهم أن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فخرجوا عن اسم الإيمان، ولم يكن لهم في الآخرة حكمُهُ؛ إذ لم يكن معهم إيمان، ولحقوا بالكافرين في الدرك الأسفل من النار، وبقي عليهم حكم الإسلام، بإظهار شهادة الإسلام، في أحكام الدنيا المتعلقة بالأئمة وحكام المسلمين الذين أَحكامُهُم على الظواهر، بما أظهروهُ من علامة الإسلام؛ إذ لم يجعل للبشر سبيلٌ إلى السرائرِ، ولا أُمِرُوا بالبحث عنها، بل نهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن
(١) "الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -" (٢/ ٣).